فهد السلمان

مدير أم رئيس؟

نريد أن نصنع التغيير لكن بذات أدوات الإعاقة التي عطّلتنا لعقود طويلة، هذه معادلة مستحيلة، وغير قابلة للحياة، لذلك ما لم نتمكن من تغيير الفكر الإداري الذي أكل عليه الدهر وشرب، وما لم نتمكن من تغيير هياكل الإدارة، فلن نتمكن بالتالي من أن نتقدم خطوة في الاتجاه الصحيح، وسيظل الطريق أمامنا مليئا بالمطبات، والمنعرجات، والعوائق، والالتواءات الكفيلة بإعادتنا من حيث بدأنا. ما زلنا نعتمد الإدارة الهرمية حتى في أقل إداراتنا شأنا، وهو أسلوب كلاسيكي قديم تجاوزته الإدارة الحديثة التي تعتمد صيغة المؤسسية، لكنه لا يزال قائما حتى على مستوى الجامعات التي يُفترض أنها هي من يصنع التغيير، وإدارات الخدمات، فمدير الجامعة بحكم النمط الإداري القائم هو صاحب القرار في كل صغيرة وكبيرة في جامعته، والعقول التي تعمل معه ما هي إلا أدوات للتنفيذ، وفي أفضل الأحوال عقول استشارية لا أكثر ولا أقل، وكذلك الحال في المرور، وفي البلديات، فمدير المرور هو من يقرر نمط الحركة، وهو من يغلق هذا الممر ومن يفتحه، والأمين أو رئيس البلدية هو من يتفرد بكل إطارات مدينته تخطيطا وتطويرا ونسقا، بمعنى أننا أمام إدارة تقوم على إمكانات الفرد أكثر من اعتمادها على عقول الجماعة، وتوظيف الآراء المتعددة لمصلحة البحث عن الأصوب. هذه الآلية الإدارية مهما تغيّر مظهرها، وتعددت لجانها، ومهما امتلكت أفخم طاولات الاجتماعات، ومهما طالها التغيير في الشكليات والمظاهر، فإنها تبقى في النهاية إدارة فردية تنظر في نهاية الأمر إلى من يجلس على رأس الطاولة ليقرر ما يجب تنفيذه، لذلك ما لم نتخلص من هذا النمط من الإدارة باتجاه اعتماد الإدارة القائمة على فكرة المؤسسة، وما لم تتحوّل الإدارة من مدير إلى رئيس وإلى مجالس إدارات تتساوى فيها أصوات أعضائها في القوة والنفوذ، وتكون الغلبة لأكثرية الأصوات، فستبقى جامعاتنا على سبيل المثال كالثانويات المطورة لا فرق يُذكر، وستبقى إدارات الخدمات تراوح مكانها، مما يخلق هذه الهوّة السحيقة بين ما يُنفق من الأموال على هذه القطاعات، والفائدة العامة التي تنجزها، لذلك هي دعوة لإعادة النظر في واقع الإدارة حتى نضع العربة في مكانها الطبيعي خلف الحصان لنؤسس فعلا للتغيير.