قصة: فالح الصغير

ساكن المستشفى!

ينام في المستشفى ليس في غرف المرضى إنما في قاعات الانتظار والممرات الجانبية، يحاول إقامة علاقة صداقة مع أي قادم جديد، سواء لمواعيد العلاج أو الإقامة، لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويتحدث عنها يقدم نفسه للصديق الجديد ثم يبدأ الحديث في النهاية، يتحدث عن نفسه وأحواله ولماذا هو مقيم في المستشفى، يؤكد أنه من خارج المدينة.. لم يجد مكانا مناسبا إلا في المستشفى بعيدا عن الضجيج كما يقول دائما، لا تخلو أحاديثه من أخبار الرعب بطريقة مثيرة واستفزازية.. «قطعوا رجل فلان وبعدين الرجل الثانية وهذا مات قبل أن ينقل لغرفة العمليات وذاك شاب له سنوات طويلة «منوم» ما تتحرك إلا عيونه بسبب حادث سيارة واحد جابوه وهو متقطع وثلاجة الموتى دايم مليانة ما تفضى» وهكذا.يقضي وقته نهارا في المقهى الخارجي أو في مسجد المستشفى الذي يبقى مفتوحا حتى بعد صلاة العشاء.. بعد الظهر يرتاح فيه الى صلاة العصر ثم ينطلق للمقهى لبداية أحاديثه المخيفة منتظرا من يجود عليه بمأكل أو مشرب يسد رمقه في انتظار موعد وجبة عشاء المستشفى التي يحصل عليها من بعض من يقومون بتوزيعها. قال له مريض يعالج في المستشفى منذ زمن: - غير أحاديثك من أجل أن ترتاح لك الناس، ما عندك إلا «قطعوا رجله وذاك مات قبل العملية و...، غير يا خوي ما فيه سواليف زينة في المستشفى ليش ما تقول هذا نجحت عمليته وذاك أنقذوه وغيره دخل ما يمشي وطلع يمشي على رجليه ما فيه إلا العافية.. اذكر الأشياء الزينة انت ترتاح وغيرك يرتاح جرب وترى النتيجة، عود نفسك على أنك ترى الأشياء المريحة لا تركز على كل ما هو متعب». دار حوار طويل نهايته بداية تحول جديد في حياته لكن سرعان ما انتكس وعاد أكثر من السابق!****• يملك قدرة على الدخول في حديث مطول مع أي شخص زائر ومقيم يزيد عليها أحاديث أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة مثل:«كنت في لندن أمس وقابلت فلان ويسلم عليك..» أو«رحت أمريكا قبل ثلاثة أيام وما حصلت فندق ورجعت»، لكنه سرعان ما يعود الى حديث المستشفى كأنه أصيب بحالة نفسية سريعة يكرر آسف آسف كنت أمزح معك ما سافرت لندن ولا أمريكا طول وقتي هنا فهمت والا ما فهمت، البعض يفهم الموضوع ويرد عليه: فهمت ونص لا أبغي فهمت واحدة اتركنا من النص هالزمن ما ينفع النص المبلغ كامل لو تعطينيه رجعته لك، يقول الشاعر: خلك مع الكامل واترك النص ما ينفعك زمانه لو تراكضت - تعرف من هو الشاعر. لا ما أعرف- ما تحب الشعر . ما هو دايم - كيف ما هو دايم يا تحب يا ما تحب الحب ما هو على كيفك يا كامل يا بلاش . طيب اسمح لي- ما اسمح لك.. خلك وسيع الصدر طيب ومرتاح الدنيا ما تسوى تراكض هنا وهناك . الشاعر رفيقك ما عنده إلا تراكضت وتراكض - نعم إذا ما يعجبك لا تسمع رح لغرفتك وسكر بابك واكتب على بابها ممنوع الزيارة.. مع السلامة صمت.. فجأة ضربة قوية على الطاولة اتبعها بصرخة مع كلمات لم تفهم.****• تعابير وجهه لا تتغير في كل الأحوال الغضب والفرح واحد لا يعرف السر وراء ذلك الجمود والحالة الواحدة التي تزداد غموضا كلما تحدث، الذين شاهدوه وهو يبحث عن اشياء مفقودة لم يتغير وجهه عندما وجدها رغم أهميتها، مات قريبه الذي يقضي معه وقته ويسليه كأن شيئا لم يكن..أمس كما اليوم، الزمن يتساوى عنده في تقلباته الأبيض والأسود واحد، الحوادث المفاجئة لا تثيرة ولا تهزه، كأنه قادم من كوكب آخر، لا يقبل الاسئلة إنما يبحث عن الأجوبة!• كثيرا ما يكرر الاسئلة مثل: «كيف يطبعون على البيضة ويلزقون ورقة على التفاحة وليش يغلون الابرة في ماء حار ومن تحب أكثر الدكتور أو الممرض الدكتورة أو الممرضة؟»يا ويل من يضحك يصر على الاجابة مهما كانت الأحوال والظروف حتى لو كان المريض غير قادر ونفسه مسدودة.. يردد «صحيح فاضين يطبعون على البيضة.»*****• يختفي لوقت يعود بعدها بأسئلة أخرى:«تعرف من اخترع الكهرب اتحدى.. ارسطو.. والشمس تدور أو مكانها» ثم يصمت عندما لا يصله الجواب يغيب مرة أخرى قد تطول غيبته حسب حضور المكان، البعض يعرفه جيدا البقية يبحثون عن شخصيته وماذا تحمل من الأيام الخوالي قد يعود بقصائد متداخلة بعضها البعض ينتقل من شاعر إلى آخر بين ارتفاع وانخفاض الصوت ربما يصل الوضع إلى الوقوف على طاولة مرددا:«أنا ما أنساك لو تنسى سبحانه وقدرو عليك... وخلوك تنسى أحبابكولا بتسأل علينا خلاص... قفلت بوجهنا بابك..ولا عاد زلة أو طله... يحق لكم.. لنا اللهوسبحانه وقدرو عليك... عشقت القمر حيث القمر ينبعث به نورواخص الليالي البيض تزهاه ويزهنهواحب الهوى لاهب من خايع ممطوروريح النفل حيث النفل طيب الخنه» يصمت فجأة ويلوح بيده مودعا بتعابير وجهه المحيرة!****• «وش رأيك بصوت العصافير في الصباح والمطر آخر الليل؟»قفز السؤال امام القادم الجديد لم يتعرف باسمه بعد، - سلام عليكم جلس بجانبه بدون استئذان.. تعرفني يا الطيبرد.. نتعرف.. الدنيا ما تسوى، قيمتها بطاعة الرحمن والتعرف على خلقه كلنا لبعض نهايتنا في التراب، خلك وسيع الصدر وقلبك نظيف ترتاح في دنياك ولا تكثر زياراتك للمستشفيات ورايح جاي عليها.الدنيا مؤقته تمتع بها اسمع صوت العصافير والمطر وتمتع، حاول تتعلم كيف تنبسط في حياتك وإلا أنت الخسران وبعدين يلفونك بقماش أبيض يدفنونك وينسونك.****• استمر ينام في المستشفى بدون أحلام مزعجة، اختفى فجأة، افتقدوه جميعا بمن فيهم الزوار القدامى والجدد، سألوا عنه خاصة موزعو الطعام وعمال النظافة والغرفة التي يقيم فيها مريض منذ سنوات طويلة لم يعد يبتسم كما كان سابقا اختفاء الابتسامة أثارت أسئلة تبحث عن اجابات حائرة كحيرة من سكن تلك القاعات والممرات الجانبية.