د. حسن العالي

الذكرى 36 لتأسيس مجلس التعاون

احتفلت دول مجلس التعاون الخليجي بمرور الذكرى السادسة والثلاثين لتأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، وهي ذكرى سنوية جديرة بالتوقف والتأمل، خاصة في مثل هذه الظروف حيث تواجه دول التعاون الكثير من التحديات الاقتصادية والجيوسياسية، وتسعى جاهدة لتنفيذ برامج للإصلاح الاقتصادي تعيد الزخم للنمو الاقتصادي المستدام وتحقق حياة أفضل للمواطنين، علاوة على تطوير آليات التعاون الاقتصادي لتحقيق تكامل أكبر فيما بينها. لقد أدركت دول المجلس منذ إنشاء مجلس التعاون أن تكاملها الاقتصادي ضرورة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تفرضها الظروف العالمية والعولمة الاقتصادية، وحفل سجل العمل الخليجي المشترك بإنجازات كثيرة بدءا من إقامة منطقة تجارة حرة عام 1983، إلى الانتقال لإقامة الاتحاد الجمركي ومنطقة جمركية واحدة عام 2003، وتدشين السوق الخليجية المشتركة وتحقيق المواطنة الاقتصادية، وتنفيذ مشروع إستراتيجي للربط الكهربائي بين دول المجلس، وكذلك مشروع سكة حديد تربط فيما بين دول المجلس؛ بهدف دعم برامج التحول والتنويع الاقتصادي وتسريع وتيرة التكامل الخليجي. كما أن إنجازات المجلس تشمل تجارة التجزئة والجملة والعقار والاستثمار والتعليم والصحة ووحدت دول مجلس التعاون الكثير من الأنظمة والقوانين في مجال الأمن والتعليم والصحة والتأمينات والتقاعد والتجارة والزراعة والصناعة والاستثمار وتداول الأسهم وتملك العقار والمجالين العدلي والقانوني. إلا أن ما يجمع عليه الكثير من الخبراء أيضا، هو حاجة دول المجلس لآليات تنفيذ فاعلة تتجاوز مرحلة القوانين الاسترشادية والاستراتيجيات البعيدة المدى والقرارات العليا، إلى مرحلة آليات وبرامج التنفيذ الملزمة والقرارات التنفيذية لقرارات القمم. والبداية الصحيحة يجب أن تكون بقرار سياسي يعطي صلاحية اتخاذ القرارات وإلزامية تنفيذها في كل ما يخص التكامل الاقتصادي الخليجي والمواطنة الخليجية بيد مؤسسات العمل المشترك الخليجية كما هو الحال بالنسبة للتجربة الأوروبية. لذلك، سعت دول المجلس لتطوير آليات التعاون من خلال تأسيس هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية رفيعة المستوى لتفعيل التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية وتذليل العقبات التي تواجهها في هذا المجال. وعلى صعيد محطات التكامل الاقتصادي الكبرى - وبعد مرور 36 عامًا على تأسيس المجلس، فان عددًا من القرارات الهامة بحاجة لحسم بعد بما في ذلك آليات احتساب القيمة الجمركية وصندوق الإيرادات الجمركية وتوزيعه والتعويضات. كما أن توحيد التعرفة الجمركية لا يعني قيام الاتحاد الجمركي الموحد، فعلى الرغم من اختفاء القيود الجمركية على التبادل التجاري البيني، فان المعوقات الجمركية الأخرى كشهادات المنشأ والقيمة المضافة والمقاييس جميعها لم تحل بعد، إلى جانب القيود غير الجمركية ولا سيما تلك التي تحصل في المنافذ الجمركية التي لا تزال تأخذ حيزًا كبيرًا من اجتماعات وزراء المالية والاقتصاد والأجهزة المعنية. وبخصوص السوق الخليجية المشتركة، فإن الخطوات لا تزال كثيرة لتحقيق هذا المطلب، حيث لا يزال هدف تكامل أسواق المال الخليجية وفتحها دون قيود في مرحلة الدراسة مما يعني غياب العمق الاستثماري الخليجي أمام مواطني دول المجلس. كذلك بالنسبة لفتح فروع للبنوك التجارية في بعض الدول الأعضاء. كذلك الحال بالنسبة لحرية العمل التجاري حيث إن تأسيس الشركات الخليجية لا يزال بحاجة إلى شريك مواطني، كذلك شرط الإقامة في بعض دول المجلس، علاوة بالطبع على تأخر التعرفة الجمركية وتوحيد السياسات التجارية. أما بالنسبة لحرية حركة الأفراد وخاصة في أسواق العمل - وهي شرط اخر لقيام السوق الخليجية المشتركة، فمما لا شك فيه أن دول المجلس حققت خطوات متقدمة في مجال التنمية البشرية، حيث جاءت جميعها في مراتب متقدمة في مؤشرات التنمية البشرية والإنسانية عربيًا ودوليًا، ولاشك أن التعليم والتدريب يحظيان بأولوية في الوقت الحاضر، خصوصا مع بروز معدلات البطالة ملفتة للنظر في دول تستضيف نحو 18 مليون عامل أجنبي. الا أنه تغيب لحد الآن معالجات خليجية موحدة لمشكلة البطالة، تركز على فتح أسواق العمل الخليجية بشكل كامل ومساواة مواطني دول المجلس في كافة الرواتب والمزايا التأمينية في القطاعين الخاص والعام في دول المجلس. لكن هذا يحتاج لقيام وزارات العمل الخليجية بالموافقة على احتساب العاملين الخليجيين ضمن نسبة التوطين التي تُطالب بها منشآت القطاع الخاص وذلك لكي تشجع هذه المنشآت على توظيف العامل الخليجي. وباعتقادنا وبمقارنة مسيرة التعاون الاقتصادي الخليجي بغيرها من التجارب العالمية، فإن هناك تماثلا في خطوات التكامل من حيث الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والوحدة النقدية، ويبقى التركيز كما ذكرنا على تطوير وتفعيل آليات تنفيذ هذه الخطوات وذلك لكي تتمكن هذه الدول من مواجهة المستقبل بروح التكامل وبما يعزز المقدرة الاقتصادية للدول الأعضاء ويمهد لها سبل التنمية المستدامة ومواجهة التحديات، وإعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في صياغة برامج التكامل الاقتصادي وتعزيز روح المواطنة الخليجية من خلال تبني ودعم مبادرات القطاع الخاص التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل خاصة تلك المرتبطة بالميزة التنافسية واقتصاديات المعرفة. كذلك، وفي ظل التوجهات الجديدة لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي يجب أن يحظى قطاع الصناعة بأولوية، خاصة في ظل نتائج الدراسة الخاصة بالخارطة الصناعية التي أعدتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية والتي كشفت عن توفر الآلاف من الفرص الاستثمارية المتاحة في عدد من الصناعات الغائبة عن المنطقة مثل الصناعات الغذائية الصحية، الصناعات الأساسية لمنتجات الحديد، الصناعات الكيماوية… الخ، وتسخير الفوائض المالية في الصناديق الاستثمارية والسيادية وتوظيفها نحو صناعات تخلق تنوعا اقتصاديا مثل صناعة المعرفة وتقنية المعلومات والصناعات التحويلية وغيرها من الصناعات غير النفطية.