محمد العلي

شعرية الفكر

هكذا عنون أدونيس ما كتبه عن تجربة النفري.وأنا أستعيره للكتابة عن الشاعر المبدع جاسم الصحيح، لأنه عنوان يتلاقيان فيه، لأن ما يفجؤك في التجربة هو ما أسميه: (لقاء المنفى). لم أدر أيهما أشقى على عمري.. منفاي في الأرض أم منفاي في ذاتي؟هذا التيه بين شقاءين هو إحساس فلسفي حارق. إنه رفض لما هو عليه في الأرض والذات، ويزداد هذا الاحساس رهافة وعمقا:خوف يمارسني فأهون ما بيأني أرى الدنيا بعين غرابليس غريبا أن تنظر رؤية الجواهري:أبدأ أنظر الحوادث والعالموالناس من وراء ضبابفهذه إحدى عناصر الرومانسية. وهذا الاحساس ينبع من استبطان الذات استبطانا (وجوديا) واستبطان الحياة والناس استبطانا (غرابيا) فيبصر الشر الا أقلهم فيتوه:لم يعرف التاريخ شر حراسةمن أن يكون المرء حارس وهمهثم يسأل فلسفيا مستنكرا:ماذا أكون أنا إذا ولدت هنافي الأرض قبل ولادتي آرائي؟وتتوهج الرؤية الوجودية فيعبر عن فلسفة الأنوار. «ونزه عن النقص ذاتك. فالنقص أن تتبرع للآخرين بأن يكملوك، فلا بد منك لكي تكملك».حاقدا كرصاص العدويمر بي الوقت في سأمهذه الرؤية، شعرية الفكر أو الوجودية تراها مبثوثة هنا وهناك، في الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي بصورة تجزيئية، أما هنا في شعر الصحيح فنبدؤها كلا متماسكا في لغة مائية تعيد أمامنا المقولة الصوفية (الظاهر والباطن) أو قول البوصيري صاحب البردة:واختفى منهم على قرب مرآةومن شدة الظهور الخفاء.وإحساس الصحيح ليس إحساسا جافا كما هو الإحساس الوجودي، بل هو إحساس له رقة الضوء: «وتسأل ماذا عن العشب؟/‏ كيف وطئت على صدره الآدمي بلا رأفة/‏ بدعة العشب ألا يبوح إلى واطئيه/‏ تحسس فتارة أحلامه بين رجليك/‏ إذ تتكسر صامتة كالظلال/‏ ولا صوت للنعل إذ ينكسر»أشكر الأستاذ القارئ الذي احتج على عدم ذكري ليس فقط جاسم الصحيح، بل هناك آخرون:تضيء لهم أشعارهم ووجوهمدجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبةومنهم: عبدالوهاب أبو زيد، حيدر العبدالله، علي النحوي، الشيخ علي الفرج، حسن الرميح، أحمد الملا، محمد الحرز، محمد الدميني وغيرهم وغيرهم.