عصف موسم ننتظره 12 عامًا
كل حياتنا مواسم، بعضها نصنعه. من الصغر أذكر موسم جني العنب، وموسم الأمطار، وموسم الزراعة، وموسم الحصاد، وموسم صون الغابات، وموسم الأعياد. حتى الجراد كان له موسم، قبل أن تقضي عليه حضارة السموم والمبيدات. ثم جاءت مواسم الاختبارات، والقبول في الجامعات. أهم موسم كان موسم الغبار، حيث يحجب الرؤية عن سفوح الجبال الخضراء على ضفاف الأودية، والأهم موسم السفرية.¿¿ السفرية قوم يغادرون في موسم ويعودون في موسم آخر. يكسبون، ثم يعودون. موسم المغادرة حزن، وموسم العودة فرح. ثم جاءت ظاهرة (السيلفي) لتوثيق المواسم، وعندما تنظر الى الصور تجد أن الناس يخلدون انتفاخات الأجساد، لكن ماذا عن انتفاخات النفوس بالغيظ والتساؤلات؟!¿¿ هناك موسم ارتفاع استهلاك الكهرباء، هو الأشهر، ويأتي مع موسم القبول في الجامعات. هذا يعني أن هناك مواسم للهموم والضحايا الساخطين. موسم القبول في الجامعات يبدأ الاستعداد له من الروضة، كنتيجة هو الموسم الوحيد الذي ينتظره الجميع لمدة تزيد على (12) عاما، بعد هذه المدة نكتشف أنه موسم رفع الضغط والتساؤلات. ¿¿ موسم القبول في الجامعات يشبه موسم البطالة من حيث الانتظار، مواسم الانتظار كثيرة في حياتنا أكثرها طولا انتظار عودة المجد العربي، وعودة فلسطين، وهناك (عودات) كثيرة ننتظرها، منها عودة الزمن الذي نقول عنه جميلا. هل في الفقر والفاقة جمال حياة؟! ¿¿ موسم القبول في الجامعات يثير أوجاع ضحايا مواسمه السابقة، مشاكله كانت قائمة في زمن الجامعات السبع الشهيرة. سجل لها الشاعر (عبدالواحد الزهراني) أشهر قصيدة عرضة عرفتها المملكة. استشهد بالجامعات السبع في قصيدة نبطية أعجبت سمو الأمير خالد الفيصل. هكذا عرفت بعد حضوري بالصدفة مناسبة سياحية في أبها، بتسعينيات القرن الماضي. وجدت العراضة يرددونها على نقع الزير الشهير الذي يسكن في أعماقي منذ الصغر. سألت أحد شعراء العرضة الحاضرين، لماذا هذه القصيدة بالذات؟! قال: يحبها خالد الفيصل. ¿¿ وللحد من معاناة القبول في الجامعات السبع، أصبح لدينا أكثر من (21) جامعة حكومية، فهل انتهت مشكلة القبول؟! كانت هناك سبع مشاكل، فأصبحنا نواجه أكثر من (21) مشكلة، كل جامعة تطوف في فلك معضلة الإمكانيات. بعض جامعاتنا العريقة مجموع طلابها لا يزيد على طلاب كلية واحدة في بعض جامعات كوكب عطارد، الحقيقة أن كثرة الجامعات لم تحل معاناة الطلاب، وأيضا لم تحل معاناة أولياء أمورهم. السؤال: أين الخلل؟! لماذا المعاناة، إذا كانت وزارة التعليم تقول سيتم قبول (90) بالمئة من خريجي الثانوية بالجامعات؟! ¿¿ أذكر في سبعينيات القرن الماضي أن الجامعات كانت تذهب الى طلاب الثانوية، تشرح لهم معنى الجامعة، وأهميتها، وكيفية القبول بها، ثم توقفت تلك الحملات التثقيفية. اليوم نحتاج الى حملات أخرى بأهداف أخرى، ليس من الجامعات، ولكن من الجهات المسئولة عن التوظيف، لتعريف الشباب بخارطة الأعمال التي تنتظرهم في كل القطاعات. ¿¿ لماذا يترك الشباب حيارى متكدسين أمام بوابات كليات بعينها وأقسام بعينها؟! ثم يوزع الآخرون على كليات لملء شواغرها؟! لماذا يترك الشباب أسرى لتوجهات أولياء الأمور العمياء؟! وكنت يوما أحدهم. الشباب في الثانوية العامة بحاجة إلى من يقودهم نحو طريق السلامة. هناك تخصصات فنية أفضل من التخصصات الجامعية، حيث يتم حشر وتكديس الشباب وطاقتهم في مجالها، وكأن دورها وأد الطموح، وكسر الهمة، وخذلان التطلعات، وصنع البطالة. ¿¿ أنقذوا أجيال المستقبل من تيه يقود إلى تعميق خسائر الوطن. أعيدوا حملات التوعية. اشرحوا الخرائط الاقتصادية والتنموية خلال العقود القادمة. وضحوا لهم حاجات المستقبل الوظيفية في رؤية (2030). أعيدوا للشباب ثقتهم بمستقبلهم، ولأولياء الأمور راحتهم، وللوطن طاقات شبابه المهدرة.