لم ينته العرض.. فقط أُغلقت الستارة على مشهد
اصطحبني والدي في طفولتي المبكرة إلى مشاهدة عرض مسرحي، كان يقام على مسرح إحدى مدارس المنطقة، وشعرت ساعتها باضطراب كبير، فكيف لطفل صغير أن يفهم حقيقة انفعالات من هم على خشبة المسرح وانها مجرد تمثيل!؟ فهذا التداخل العجيب بين صورة الحدث اليومي الواقعي ومهارة محاكاته عن طريق التمثيل المتقن أصبح ملازما لي بشكل واضح كلما شاهدت أحد أعمال فنان الخليج الراحل عبدالحسين عبدالرضا. فلك أن تسترجع شريط ذاكرتك وتوقفه عند أي مشهد من مسرحياته أو مسلسلاته التلفزيونية لتجده كاشفا عن فلسفة الإنسان العادي والبسيط في اشتباكه مع الحياة ومحاورته لها بأسلوب ساخر ساحر. ولك أيضا أن تقف على مقولاته العفوية وقفشاته الساخرة وسوف لن تجهد الذاكرة في تتبع آخر موقف استدعى أن تستشهد بهذه الجمل وترددها كما تقتبس مقولات الحكماء أو تستعين بالأبيات الشعرية لأنها اكثر دقة وتعبيرا عن المواقف التي تواجهها. فهذه الانسيابية في الحركة والفكرة عند مواجهة الواقع هي بالضبط ما حاول ذات يوم الناقد السينمائي والفيلسوف جيل دولوز أن يفسرها على ضوء نقده لأحد أعمال موريس لوبلان وأرجعها إلى فلسفة «الزن» حيث (إن لا شيء لافت ومتميز في الحياة، وأن أغرب المغامرات يمكن تفسيرها بسهولة، وأن كل شيء مصنوع من أحداث عادية)، وليعلق على ذلك بقوله إن الحياة بسيطة وإن الإنسان لا يكف عن تعقيدها وعن تحريك مياهها الراكدة. هذا بالضبط ما يمكن أن توجز فيه فلسفة أبي عدنان الفنية على طول مسيرته الممتدة لأكثر من نصف قرن باختلاف الشخصيات التي أقنعك أنها طبيعية وتصادفها كل يوم، لكنك تغفر لها كل شطحاتها وتنحاز إلى مطامحها وتراهن على آمالها؛ لأنها ببساطة صورة تعكس جزءا من شخصيتك. لذلك لن تقوى على كتابة المرثيات وتمعن في نعيه؛ لأنه ما زال متواجدا ويحيا في ذوات كثيرة على امتداد الوطن العربي بأجمعه.