الرّيش ونتائجه على البيئة
في مساء الأحد 13 أغسطس/ 21 من ذي القعدة، غادرت الباحة متجها إلى الدمام، أحمل الكثير مما يقال ومما لا يقال، تشبعت بمنغصات تتعرض لها البيئة، وصلت المطار، وكان في وداعي على بوابة مطار العقيق، جذوع أشجار باسقة ميتة في حديقته، أضافت لمسة حزن وكآبة، لم تكن ترحب، تعرض نفسها للعبرة، تأملت غصونها الميتة، وجدتها رسائل للمسافرين، زرعها إنسان، وآخر تركها تموت واقفة من العطش، موتها رسالة، لا أحد يجيد قراءتها، موتها حزن يدين، هل من مُعتبر؟! ■■ لماذا تركوا هذه الجذوع الميتة واقفة وكأنها أشباح؟! فقلت متروكة كمجسمات للتذكير بيوم المنقلب، لم نخسر عليها سوى أموال صُرفت حتى وصلت إلى ذلك العلو الشامخ في فراغ المطار، ثم تركوها تموت لحكمة لا أعلمها، هل هو الإهمال؟! رمز للكآبة في مدخل المطار، تودع المسافرين، تجعلنا نتذكر الموت لا الحياة.■■ في منطقة الباحة موت الشجر ظاهر للعيان، لكن البعض لا يحس بموته ولا يشعر بكونه من سلامة الدنيا، لا يَرَوْن الشجر لكنهم يَرَوْن الأرض الجرداء الأغلى ثمنا، يموت شجر العرعر واقفا في جبال منطقة الباحة، وفي غاباتها دون اكتراث أحد، وإن علموا قالوا ما فائدة شجر العرعر؟!■■ حتى الصخور يتم تفتيتها، حتى سفوح الجبال يتم نحرها وجرفها، ليحل محلها العمران، كالجراد، وقد اختل توازن سفوح الجبال وقوامها، حتى قلت بأن العمران أكثر من الشجر، حتى المتنزهات تبدو كئيبة نهارا، متلألئة ليلا بنور الكهرباء، أشجار العرعر تموت في كل المتنزهات، ولا أحد يسأل.■■ دخلت المطار، توجهت إلى موظف الخطوط، على الجدار خلفه لوحة لنافذة في جدار أبيض قديم، نافذة بها أعمدة حديدية، وخلفها كهل بلحية بيضاء، ينظر بحزن إلينا نحن المسافرين، كأنه سجين خلف قضبان.■■ سألت الموظف، من وضع هذه اللوحة الكئيبة في المطار، استدار إليها، كأنه لأول وهلة يراها، تعجب وتمتم بكلام، تذكرت على الفور دعاء السفر:..، أزيلوا اللوحة فلها أكثر من قراءة سلبية.■■ وجدت الباحة حضارة معمارية عبثية للتنكيل بالبيئة، ماذا يعني هذا؟! وكيف كانت قراءتي لهذا المعمار الذي ينافس بعضه بعضا؟! تذكرت مثل العرب الذي يقول: دود يأكل بعضه، وهذا يكفي عن الشرح الطويل، ذكرتني حضارة المعمار ببيت الشعر اليمني لحكيمها علي ولد زايد يقول: [عز القبيلي بلاده/ ولو تجرع وباها/ يشد منها بلا ريش/ ولا اكتسى ريش جاها].■■ حاليا الأبيات السابقة تمثل الواقع السلبي، حيث يتم حرق الريش هذا، والتخلص منه في مشاريع المعمار العشوائي المتناثر على وجه البيئة الجميل، كل فرد من أبناء منطقة الباحة يحاول أن يثبت أنه رجع بالريش، فيكون التنافس في تحويله إلى معمار، هذا هو الشيء الوحيد الذي وجدوه متاحا أمامهم لاستثماره.■■ هذا الريش هو المال، حوّلوه إلى منازل تعتلي أديم البيئة، وكأن وظيفتها حمل هذه المباني الاسمنتية، تحولت إلى ما يشبه المزارات السنوية، في هذه الزيارة تجنبت زيارة أملاك والدي التاريخية، بموته (يرحمه الله) تحولت إلى أملاك للورثة، خجلت من مواجهة حقيقة تفتيت الدّار والوادي، نفتت معتقدين أنه البناء، خسارة البيئة فقر مستقبل ومعاناة.