البطالة والإنتاجية والنمو الاقتصادي
قدرت إحصائيات أوردها معهد التمويل الدولي حديثا أن معدلات البطالة بين الشباب الخليجي تتراوح ما بين 10% إلى 15%، كما بينت أن ما نسبته 37% من السكان في هذه الدول تقل أعمارهم عن 15 سنة و 58% تقل أعمارهم عن 25 سنة في حين تزداد قوة العمل 3% سنويا. لذلك فإن التحدي الأكبر الذي يواجه صانع القرارات في المنطقة هو ارتفاع معدل البطالة. وبالنسبة إلى إنتاجية العمل يلاحظ التقرير أنه بينما ازداد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5% خلال الفترة 2000- 2016 وهو يأتي في المرتبة الثانية في العالم، فإن نسبة الإنتاجية والتي تقيس كفاءة استخدام الموارد ارتفعت بنسبة 0.1% سنوياً خلال نفس الفترة وبمجموع 0.9% خلال السنوات العشر الماضية وهي تعد النسبة الأقل في العالم حيث إن معدل زيادة الإنتاجية العالمي يبلغ 1% سنوياً. وتعتبر دول المنطقة من المناطق التي تشهد عدم مواكبة الزيادة في الناتج المحلي مع الزيادة في الإنتاجية. وتفسر هذه الظاهرة بان زيادة العوائد النفطية كانت السبب الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي والتي تتزامن مع ثبات الإنتاجية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فان إنتاجية العمل الحقيقية أخذت منحنى تنازليا مع كل زيادة في أعداد القوى العاملة الأجنبية منذ العام 2006 في أغلب القطاعات الاقتصادية. وتبين بيانات مؤسسة الخليج للاستثمار أن دول المجلس حققت معدلا جيدا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، لكن ذلك لا يعكس زيادة في الإنتاجية، إذ ارتفع معدل الإنتاج بالساعة (مع احتساب قطاع النفط والغاز) منذ العام 2000 بنسبة ضئيلة بلغت 1 % سنويا، وهذا أقل بكثير مما حققته الهند (4.9% ) والصين (10.5%)، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية (1.4 %) وأوروبا (1.5%).كما يميز التقرير بين مستويات زيادة الإنتاجية في كل من الدول المصدرة للنفط وغير المصدرة للنفط، ففي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة زادت الإنتاجية بمعدل أعلى من الدول غير المنتجة للنفط مثل مصر والمغرب واليمن. كما أن تحديا آخر يواجه دول مجلس التعاون وهو الحفاظ على مستوى المعيشة. ولكي تتمكن دول التعاون من تحقيق هذا الهدف فإنه يجب أن تعمل على زيادة معدل النمو الاقتصادي بأكثر من 4% سنويا وهو المعدل الذي ساد خلال عقد التسعينيات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين. لذلك يصبح من المطلوب التعرف على كيفية تزامن خلق الوظائف مع نمو الإنتاجية في تحقيق النمو الاقتصادي وهذا وحده سوف يقود إلى خفض نسب البطالة من جهة ورفع الإنتاجية من جهة أخرى. ويمكن الاستفادة من تجارب دول شرق آسيا التي استطاعت الاستفادة من دورات الاقتصاد المختلفة لزيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل وتحقيق معدلات النمو الاقتصادي، خاصة من خلال التحول المتزامن من الصناعات التقليدية إلى الصناعات الحديثة مع تطوير التعليم والتعليم المهني وتحفيز أسواق العمل نحو الوظائف التقنية عالية المهارة ورفع تكلفة العمالة المستوردة الرخيصة. كما أن التجربة العالمية تفيد بان تحقيق هذا الهدف لا يتم إلا من خلال تحويل العمالة من القطاعات الأقل إنتاجية وذات الكثافة العمالية الرخيصة إلى الصناعات القائمة على المعرفة وذات القيمة المضافة العالمية. ولكي تتمكن الدول الخليجية من تطوير الصناعات القائمة على المعرفة فإنها يجب أن تستثمر بشكل أكبر في البحوث والتطوير. ويقدر مجلس الوحدة إنفاق الدول العربية على البحوث والتطوير بما نسبته 0.24% من الناتج المحلي بينما تبلغ هذه النسبة 1.6% في النرويج.كما أن الدول الخليجية مطالبة بمواصلة العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية نحو القطاعات التكنولوجية والصناعات المتقدمة التي تضمن تحويل التقنيات الحديثة إلى الاقتصاد الخليجي والتي تخلق قيمة مضافة عالية ووظائف مجزية للمواطنين، حيث ان الدول الخليجية لا تزال تستقطب نسبة متواضعة من الاستثمارات الأجنبية وتمثل حصتها 3% من مجموع الاستثمار الأجنبي المباشر. وزيادة حصة دول الخليج من الاستثمار المباشر يمكن أن تتحقق من خلال تعزيز وتقوية التنافسية العالمية للاقتصاديات الخليجية، وخاصة من خلال تطوير خدمات البنية التحتية عالية الجودة. ويمكن أن يؤدي تحسين البنية التحتية، مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات، إلى تحسين قدرة الشركات على الاتصال بالأسواق المحلية والأجنبية، مما يمكن أن يُحْدِث تأثيرا كبيرا على الإنتاجية والنمو. كذلك رفع مستوى التعليم والتدريب لخلق قوة عاملة مؤهلة. ورغم الزيادات الملحوظة في معدلات الالتحاق بالتعليم، فإن جودة التعليم عبر بلدان المنطقة أقل بكثير من مثيلتها في البلدان الصاعدة والنامية الأخرى. أيضا من خلال تطوير السوق المالية. وتؤدي سهولة تدفق رأس المال إلى تيسير عمل الشركات، وقدرتها على التوسع، وانتقالها إلى عمليات إنتاجية أكثر تطورا. كذلك رفع كفاءة سوق العمل من خلال تقديم الحوافز مثل الإصلاحات التشريعية التي تسهل انتقال العمالة بين الوظائف في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتشجع إسناد المناصب لأصحاب الجدارة، وتسمح بمرونة الأجور مع الحفاظ على مستوى كافٍ من الحماية الاجتماعية. كما أن مواصلة تطوير تشريعات الاستثمار الأجنبي وتسهيل تسجيل الشركات وتوفير فرص الاستثمار، ولا سيما في الصناعات والقطاعات الإنتاجية المتقدمة، مع تعزيز بيئة القضاء وتسوية المعاملات، جميعها من شأنها أن تسهم في تعزيز تنافسية الاقتصاديات الخليجية، وبالتالي قدرتها على استقطاب الاستثمارات وزيادة الإنتاجية وتوفير الوظائف.