لمى الغلاييني

راقب فراغك الداخلي

تصور نفسك مع مجموعة من العمال تحاولون إدخال طقم أثاث جديد لغرفة مزدحمة جدا، لا مجال فيها لإدخال أي شيء، ففي هذه الحالة لا فائدة من الغضب والإلحاح على العمال في إسراع المهمة، فالمشكلة في عدم وجود الفراغ الكافي في الغرفة لوضع الأثاث، وحل الموقف ليس في التذمر، بل إفساح المساحة المناسبة وإخراج بعض الأشياء من الغرفة، فبقدر ما نخرج من القديم يمكننا إتاحة الفرصة لإدخال الجديد.قانون الحياة جميعها تتشارك نفس الحالة مع تلك الغرفة.فلو تأملنا الرياح والزوابع لوجدنا قوة الزوابع تتجاوز قوة الرياح بكثير، لاحتوائها على ذلك الفراغ الداخلي، فمهما كانت حركتها متواصلة لكن جوفها الفارغ هو سر الاجتذاب والانشداد، ولو أمعنت النظر أثناء تجوالك يوما في الشارع، للاحظت زوبعات صغيرة تسحب وريقات شجر قليلة إلى جوفها، ومحدودية جذبها يعود لمحدودية حيز الفراغ بداخلها الذي لا يتسع لأكثر من وريقات وبعض التراب.الفراغ يمثل دوما عامل اجتذاب، فلو كنت راغبا في اجتذاب المزيد من النعم الإلهية، فلا بد من أن توجد بداخلك المساحة المناسبة من الفراغ الجاذب، ففراغ الباطن هو كلمة السر، وأول فراغ ينبغي تحقيقه هو فراغ الذهن والقلب من كل ما يشغل حيزا دون مسوغ، فكلما ازداد الازدحام الداخلي أعاق اجتذاب النعم الخارجية، وإن احتمالية اجتذاب النعم لذهن مثقل بالأفكار السلبية والوساوس، أو قلب محمل بمشاعر الحقد والحسد والحسرة هو أمر صعب الحدوث.من أجدى أساليب استحداث الفراغ الصفح عن الآخرين، والذي يعتبر قبل كل شيء إحسانا ننجزه بحق أنفسنا لما يولده من إفراغ حيزنا الذهني وتخفيف أعباء القلب لإفساح المجال للأجمل والمستحسن.والصمت فراغ باطني أيضا، فإفراغ اللسان من اللهو وكل كلام لا طائل منه عامل فعال جدا في اجتذاب النعم الإلهية، وكلما أكثر الإنسان الكلام تراجعت قدراته على ذلك.ويبقى الاستغفار أقوى المبادرات في تنظيف الروح وإفراغ القلب من الذنوب، وإحداث التخلية الأنجع لإحداث التجلي الأمثل.قال الله تعالى (فقُلتُ استغفِرُوا ربكُم إِنهُ كان غفارا يُرسِلِ السماء عليكُم مِدرارا ويُمدِدكُم بِأموالٍ وبنِين ويجعل لكُم جناتٍ ويجعل لكُم أنهارا).