الزحف «التويتري» وسقوط ثقافة النخب
دقّ تويتر ورفاقه من منابر التواصل الاجتماعي المسمار الأخير في نعش ثقافة النخب، وفتح الباب على مصراعيه لسيادة ثقافة الجماهير، عندما وضع في يد كل فرد جريدته وقناته وبريده، وسلمه رئاسة التحرير، ومهمة الرقيب، والناشر، وصاحب امتياز البث، وكل شيء.. وهذا الواقع بدّل في خارطة الرأي العام أشياء كثيرة، وفرض قوانين علاقات جديدة، وأقام معاييره الخاصة في حكم المشهد العام، بمعنى أن النخب التي كانت فيما سبق تقود الرأي العام، أو تتحكم في توجيهه أصبحتْ مجرد أدوات صغيرة في هذا الطيف الضخم الذي فرض حضوره على الساحة. في المقابل فشلت جُلّ تلك النخب في استقطاب المتابعين، أو بناء منصات بديلة لمواجهة الزحف التويتري الذي يشتغل في الغالب على غواية الفضيحة أو الغريب أو السطحي أو السهل والبسيط، وأنا أستخدم مصطلح (الزحف التويتري) كعنوان لكافة وسائل التواصل من الواتساب إلى السناب إلى بقية الأدوات، وكلها تترسّم في الغالب نفس الخطى، أو على وجه الدقة تبث على ذات الموجة التي تفتش عمّا يريده الناس، وربما استخدمتْ وبالغتْ حتى في استخدام الكولاج أو القص واللزق دون أي فحص أو اختبار أو عرض للمادة المرسلة على الطرف الأقرب من العقل، إمعانًا في الرغبة في الحصول على أسبقية البث والوصول إلى درجة الترويج لمعلومات طبية قد تكون قاتلة أحيانًا دون قصد، لأن عواقب المسؤولية لم تتبلور بعد بالصورة التي تجعل الفرد يتأنى ويقرأ ويتأمل. حتى إن الإشاعة لن تجد بيئة منذ أن خلق الله الأرض للتكاثر أفضل من هذه البيئة الخصبة والمواتية.لكن مقابل كل هذا، يلزم أن نعترف بأن الثقافة الالكترونية قد قدّمتْ لنا منجزًا لم تبلغه كل وزارات التربية والتعليم، وكل وزارات الثقافة، والصحافة التقليدية، والأندية الأدبية والثقافية، وغيرها منذ قيام الدولة الوطنية في العالم العربي، وهو أنها كسرتْ قاعدة «الأمة التي لا تقرأ» حيث أصبح الجميع يقرأون، صحيح أنها قراءة تشبه السباحة على رمل الشاطئ بعيدا عن المياه العميقة، لكنها قراءة في النهاية.