لمى الغلاييني

عالج الغياب بالحضور

في علم البصريات لا يعتبر الأبيض والأسود من فئة الألوان كما هو حال بقية الألوان كالأحمر والأزرق والأخضر وآخره، بل إن الأبيض هو اجتماع جميع ألوان الضوء المنظورة، والأسود هو غياب جميع الألوان، فالأبيض تكامل جميع أشكال الإشعاع، والأسود غياب الإشعاع.إن رؤية الأبيض على أنه اجتماع وتكامل، والنظر إلى الأسود كنقص وغياب لا يقتصر على الظواهر المادية فحسب، بل إن اللغة والدين والفلسفة وغيرها ترى في الأبيض تمثيلا للطهارة والخير والحق والإيجابية، أما الأسود فهو رمز للشر والدمار، فعندما نصف يوما مليئا بالمآسي نسميه يوما أسود، وذوو النفسية المكتئبة يصفونهم بالمزاج السوداوي. تعيش الروح الخيرة في حالة من النورانية المتكاملة الحضور مثل حالة الضوء الأبيض، أما الشخصية التي تفقد قدرتها على التواصل مع روحها فينقطع اتصالها بمصدر النور وتصبح معرضة لحالة سلبية سوداوية.حين نفهم أن الشر هو غياب النور، يجعلنا ذلك نتعايش مع فكرة أن دواء الغياب هو الحضور، ونتجاوز فكرة مواجهة الغياب بغياب مثله، مما يجعلنا نتأكد من أن علاجنا للشر بكراهية المنخرطين فيه هو طريق مسدود يجعلنا نساهم في المزيد من غياب النور وليس في حضوره، وإن كراهية الشر لا تقلل من حجمه بل تضاعفه، وإذا اندفعت في مواجهة الظلمة من غير رحمة فإنك تدفع بذاتك إلى الظلمة، ولكن رحمة القلب تجلب النور إلى حيث كان غائبا.لن تكون من أصحاب الوعي الروحاني العالي حتى تتعامل مع أي مسألة شريرة على أنها حالة لغياب النور، وسيتطلب منك ذلك تفحصا دائما لكل الخيارات التي تعتمدها في مواقفك والتأكد أنها تسير بك للنور أو تبعدك عنه، وسيزيد إيمانك بأن المكان الذي تبدأ منه دوما لمقاومة الشر هو داخل ذاتك، وسيمنحك عمقا متفهما في ترجمة أعمال المنخرطين في السوء، مما يجعلك تكرر «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»، لأنهم محرومون من تذوق جماليات النور.