النأي بالنفس وبيادق نصر الله
لا شك أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت جادة في مسعاها عندما تبنّتْ سياسة النأي بالنفس مع بداية اشتعال الأزمة السورية، خوفا من مغبة محاولة جمع الشتائت في موقف واحد تعلم يقينًا أنه في حكم المستحيل في بلد له أرض واحدة، لكن بألف سقف وسقف، مما قد يُفضي إلى انهيار تلك الأسقف على رؤوس الجميع، لذلك كان رهان ميقاتي على البقية الباقية من الولاء للأرض الواحدة حتى لا تتزلزل من تحت أقدام الجميع، غير أن بعض المستظلين بالأسقف الخارجية، كانوا قد رهنوا الأرض كذلك، عندما قرروا أن يضعوا قدما عليها في بلادهم، والأخرى عند أسيادهم. هنا لم يعد للبنان نفسٌ واحدة يُمكن أن يُنأى بها عن اختلاف وخلاف الأخوة، وإنما هنالك جملة من الأنفس التي تستمد كل واحدة منها أكسجينها الخاص من فضاء مختلف، وتأكل من طبق مختلف. صحيح أن من تبقى في خط 14 آذار قد وجد ضالته في هذه السياسة والتزم بها على اعتبار أنها إحدى الطرق للحفاظ على ما تبقى من وسم الدولة، لأنه لا يزال يحلم بمنطلقات ثورة الأرز بالوطن الحر السيد المستقل، لكن ثمة أطياف أخرى لها حصة الأسد في القرار اللبناني ظلتْ تترجم هذه السياسة بمنطقين متوازيين، فهي في إعلانها مع النأي بالنفس، وقد تملأ الفضاء ضجيجا، والأسماع صخبا في سياق تبني هذه السياسة والعض عليها ولكن باللسان والشفاه وحسب، فيما هي تمارس كل ألوان الارتماء والانحياز إلى هذا الموقف أو ذاك إلى جانب حلفائها في الداخل والخارج وبمنتهى الاستخفاف بمنطق الدولة في الغرف المغلقة، ومن تحت الطاولة. لذلك أنا لا أرى في موقف الوزير جبران باسيل وممثله في انتخابات رئاسة اليونسكو الأخيرة استخفافا بما قطعه للحكومة المصرية إزاء مرشحتها، أو لشبه الإجماع العربي، بقدر ما هو استخفاف بالنصف الآخر من حكومته الذي يجلس معه كل يوم على ذات الطاولة بذريعة أنها حكومة لوطن واحد، وولاء واحد، وسيادة واحدة. في تقديري إن كل الجمال الذي كرّسته فيروز والرحابنه، ووديع، وصباح، وجبران، ونعيمة، وأبو ماضي والياس أبو شبكة وغيرهم، كل الجمال الذي صنعه اللبنانيون في الفن وفي الذوق وفي الأكل وفي الاتيكيت، وفي وفي... باتتْ تُقبّحه سياسات بيادق نصرالله.