الموارد البشرية والتنمية المستدامة
اختتمت في إمارة الشارقة الأسبوع الماضي أعمال مؤتمر الموارد البشرية وسوق العمل الخليجي بدول مجلس التعاون الخليجي بدعوة الحكومات الخليجية وقطاع الأعمال الخاص والقيادات الإدارية والتنفيذية بتطبيق مفهوم التنمية المستدامة في تنمية الموارد البشرية، باعتبار أن الرأسمال البشري يعتبر أداة التنمية ووسيلتها وثروتها التي تتعاظم، خصوصا عندما يتم تحقيق هذه التنمية ضمن برامج سليمة ومبتكرة. ولا شك أن موضوع التنمية البشرية وعلاقته بالتنمية المستدامة قد استلهمه المشاركون في المؤتمر من المفهوم والتعريف الحديث للتنمية المستدامة، حيث باتت المنظمات التنموية الدولية تربطها ربطا مباشرا بقدرتها على تمليك القدرات والمهارات للفرد، وباعتبار أن الرأسمال البشري والتنمية البشرية هما العمود الفقري للتنمية المستدامة.ولقد اكتسب مفهوم التنمية البشرية اهتماماً خاصاً ومتزايدا منذ عام 1990عندما قام البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بتكوين فريق من الخبراء للبحث في مفهوم التنمية البشرية وتقديم تقرير سنوي عنه. ووفقاً لتعريف الأمم المتحدة يتضمن مفهوم التنمية البشرية ثلاثة أبعاد أساسية. أولها: تأهيل وصقل القدرات البشرية، فالأفراد يولدون متساوين نسبياً في القدرات، إلا أن هذه القدرات تُصقل أو تُهدر وفقاً لمستوى التأهيل من خلال التعليم والتدريب والتنشئة الاجتماعية. ثانيها: توظيف أو استغلال القدرات البشرية في التنمية الاقتصادية والسياسية والمجتمعية. أما ثالثها: فيتعلق بمستوى رفاهية المجتمع. ومن ثم فإنه رغم تعدد التعريفات لمفهوم التنمية البشرية فإنها جميعاً تتضمن مفهوماً أساسياً وهو إتاحة أفضل الفرص الممكنة لاستغلال الطاقات البشرية المتاحة من أجل تحقيق مستوى رفاهية أفضل للأفراد. فالبشر هم الهدف الأساسي للتنمية البشرية، وهم أيضاً الأداة الأساسية لتحقيق هذه التنمية. كما أن التنمية بهذا المعنى لا تعني فقط زيادة الثروة أو الدخل للمجتمع أو حتى الأفراد وإنما النهوض بأوضاعهم الثقافية والاجتماعية والصحية والتعليمية، وتمكينهم سياسياً وتفعيل مشاركتهم في المجتمع وحسن توظيف طاقاتهم وقدراتهم لخدمة أنفسهم ومجتمعاتهم.إن نموذج التنمية البشرية المستدامة يجعل الناس محور التنمية، ويعتبر النمو الاقتصادي وسيلة وليس غاية، ويحمى فرص حياة الأجيال المقبلة وكذلك الأجيال الحاضرة، ويحترم النظم الطبيعية التي تتوقف كلها عليها. ويُمكن جميع الأفراد من توسيع نطاق قدراتهم البشرية إلى أقصى حد ممكن وتوظيف تلك القدرات أفضل توظيف لها في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وهو يحمي خيارات الأجيال التي لم تولد بعد، ولا يستنزف قاعدة الموارد الطبيعية اللازمة لدعم التنمية في المستقبل، ولا يدمر ثراء الطبيعة الذي يضيف الكثير للغاية لثراء الحياة البشرية.مفهوم التنمية البشرية، بهذا المعنى، يختلف عن مفهوم تنمية الموارد البشرية، فلقد تولد مفهوم تنمية الموارد البشرية من المنظور الاقتصادي، وأكد على أن الإنسان مورد من الموارد الاقتصادية، وتركز اهتمامه على الإنسان المنتج وعلى إنتاجه العمل بالدرجة الأولى. وترددت المقولات بأننا نعنى بصحة الإنسان لأنها ذات مردود اقتصادي، وكذلك الشأن في تعليمه، بل في أنشطته الثقافية والترويحية، ويظل العائد الإنتاجي في ضوء مفهوم تنمية الموارد البشرية هو مركز الثقل في الالتفات إلى العوامل الإنسانية في تخطيط الجهود الإنمائية وما تتضمنه من استثمارات وأولويات. لكن هذه النظرة إلى الإنسان من هذه الزاوية الاقتصادية لم تول الجوانب الاجتماعية والبشرية ما تستحقه من تأكيد إلا بقدر ما تسهم به في تحـقيق الأهداف الاقتصادية ذاتها.وهكذا برز مفهوم تنمية الموارد البشرية، بعد أن كانت قضايا النمو الاقتصادي مقتصرة على مشكلات رأس المال واستثماراته، بيد أن الاهتمام بالإنسان ظل مركزاً على الإنسان كمورد اقتصادي ينتظر منه زيادة الإنتاج وتطويره. ومن هنا شاع الحديث عن تحسين الأحوال الصحية لقوة العمل حتى تكون قادرة على الإنتاج. إن تحقيق التنمية البشرية المستدامة في دول التعاون يتطلب من الحكومات وأجهزة التنمية البشرية إيلاء المزيد من الاهتمام لعدة ركائز اقتصادية واجتماعية وبيئية. ففي مجال الاقتصاد، يقتضي ذلك استغلال الموارد الطبيعية على النحو الأمثل وبأكثر كفاءة ممكنة لتلبية احتياجات الأفراد في الوصول إلى زيادة رفاهية المجتمع. وهذا بدوره يتطلب تحقيق كفاءة توزيع الموارد لغرض سد احتياجات الناس وتدوير الأموال بين الناس لأقصى حد ممكن ودفع رواتب كافية للحد الأدنى من الحياة الكريمة. كما يجب على أرباب العمل إعطاء المجتمع بالتناسب مع ما يأخذونه منه. ويتوجب على أسواق العمل زيادة كفاءة الإنتاجية والابتعاد عن استعمال المواد غير العضوية وتقليل النفايات.أما في المجال الاجتماعي، فإن التنمية البشرية المستدامة تتطلب النهوض برفاهية الأفراد وتحسين سبل الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية والوفاء بالحد الأدنى من معايير الأمن واحترام حقوق الإنسان وتنمية الثقافات المختلفة والالتزام بمفهوم المسؤولية الاجتماعية. وهذا بدوره يتطلب تحديد مناطق تمدد المدن إلى أبعادها الحالية وتوفير الطعام والمسكن المناسب والعناية الصحية للمجتمع وتحقيق التعليم للجميع. وعلى الجيل الحالي التأكد من أن الأجيال القادمة سوف تلقى حظها من الموارد. وعلى المجتمع التخطيط السليم وعدم إهدار الموارد.وفي مجال البيئة تتطلب التنمية البشرية المستدامة الحفاظ على قاعدة الموارد المادية والبيولوجية وعلى النظم الايكولوجية والنهوض بها. وهذا بدوره يتطلب أن يكون استعمال الموارد غير المتجددة مدفوع الأجر وأن معدل استهلاك الموارد المتجددة لا يزيد على معدل نموها. كذلك أن لا يزيد معدل استهلاك الموارد غير المتجددة على استبدالها بمواد مجددة.