مدينة المستقبل الجديد ورؤية 2030
شهدت المملكة العربية السعودية حدثا اقتصاديا كبيرا بانعقاد «مبادرة مستقبل الاستثمار»، وهي المبادرة التي استضافها صندوق الاستثمارات العامة في الرياض. وشارك في المبادرة أكثر من 2500 من الشخصيات الرائدة والمؤثرة في عالم الأعمال من أكثر من 60 دولة حول العالم؛ لمناقشة الفرص والتحديات التي ستشكل وجه الاقتصاد العالمي والبيئة الاستثمارية على مدى العقود المقبلة.وشهدت جلسات المؤتمر، مناقشة عدة مواضيع هامة، مثل: الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والفكرية الجديدة اللازمة لدفع عجلة التقدم والاتجاهات الصاعدة التي يرجح أن يكون لها التأثير الأكبر، وكيف يمكن لقيادات القطاعين العام والخاص استغلالها لتحقيق النجاح، وأحدث التطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي والربوتات وتقنيات الواقع الافتراضي، والبيانات الضخمة وشبكات التواصل الاجتماعي والعلوم الطبية، والبنية التحتية الذكية، التي بدأت تتكامل الآن لإعادة ابتكار المدن في القرن الحادي والعشرين وتحديات تنويع الاقتصاد من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، ومستقبل اقتصاد المعلومات، والقيادة والشراكة في عصر عدم التيقن، وطبيعة السياسات القادرة على تحفيز النمو. كما اشتملت المبادرة على معرض للمشاريع العملاقة المستقبلية التي تعد جزءا أساسيا من «رؤية المملكة 2030». لكن مما لا شك فيه، أن الحدث الأبرز في المؤتمر هو: الجلسة التي شارك فيها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي أعلن فيها عن مشروع المدينة الجديدة «نيوم» بقيمة 500 مليار دولار، وهي عبارة عن منطقة تجارية وصناعية ستقام على مساحة 26 ألفا و500 كيلو متر مربع، وستمتد إلى الأردن ومصر. وتقع المنطقة بجوار البحر الأحمر وخليج العقبة وبالقرب من ممرات بحرية تجارية تستخدم قناة السويس، وستكون بوابة لجسر الملك سلمان المقترح الذي سيربط بين مصر والسعودية. وقال صندوق الاستثمارات العامة السعودي إن مدينة «نيوم» ستكون مملوكة للصندوق بالكامل لحين إدراجها، وستجذب استثمارات من شركات في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحيوية والصناعات المتقدمة والترفيه.وتقوم فلسفة مشروع «نيوم» على دمج وتكامل ما تتمتع به المملكة من موارد ومزايا بشرية ومالية وطبيعية وفنية هائلة مع معطيات وأنشطة الاقتصاد المعرفي المستقبلي، حيث يقع المشروع في منطقة غنية بالرياح والطاقة الشمسية، إذ يشكل بيئة مثالية لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة، مما يتيح للمشروع أن يتم تزويده بالطاقة وبأقل تكلفة، كما تعد المنطقة غنية بالنفط والغاز، بالإضافة إلى المعادن الطبيعية.ووفقا للدراسات، سيزيد المشروع من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، ويعزز أهمية المنطقة عبر تطوير قطاعات اقتصادية، تعالج مسألة التسرب الاقتصادي، وسيقوم اقتصاد المشروع على مزيج من القطاعات التقليدية والمستقبلية، مع التركيز بصورة رئيسية على القطاعات المستقبلية؛ بهدف زيادة الصادرات إلى المنطقة والعالم، كما سيسهم في خلق فرص عمل في القطاع الخاص، مع تزايد الحاجة إلى العمالة الماهرة. ويساهم مشروع «نيوم» في إنجاز رؤية المملكة 2030 عبر محاورها الثلاثة، وهي مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. في حين ترتكز الرؤية الحضرية لمشروع نيوم على ستة توجهات رئيسية سيتم تطويرها بالكامل ضمن المشروع وهي الإنسان العيش والتنقل وأتمتة الخدمات والحكومة الإلكترونية والرقمنة والاستدامة والابتكار في أعمال الإنشاء:ومن أهم المكاسب الرئيسية للمشروع، إعادة توجيه التسرب في الاقتصاد السعودي مجددا إلى البلاد، إذ من شأن القطاعات التي سيتم تطويرها، أنُ تعيد نحو 70 مليار دولار من إيرادات السلع المستوردة حاليا من الخارج، مع إمكانية إنتاجها في مشروع «نيوم»، كما سيوفر المشروع فرصا إضافية أمام المستثمرين السعوديين في القطاعات التي لم تكن متاحة في المملكة، وذلك ضمن بيئة استثمارية ذات قوانين صديقة للأعمال، ومنظومة مصممة خصيصا لتحقيق النمو، ونتيجة لذلك، ستتم معالجة جزء من مشكلة تسرب الاستثمارات. وقد تصل مساهمة المشروع في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030. وبعد حضورها فعاليات المؤتمر، والالتقاء بعدد من المسئولين السعوديين، قالت السيدة كريستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، إن المملكة أحرزت تقدما كبيرا في بدء تنفيذ جدول أعمالها الإصلاحي الطموح. وبدأت جهود الضبط المالي تؤتي ثمارها. وهناك زخم متزايد في مسيرة الإصلاح من أجل تحسين بيئة الأعمال، كما تم إرساء جانب كبير من الإطار المعني بزيادة الشفافية. ولا يزال التصحيح المالي مستمرا، بينما تعمل الحكومة على احتواء النفقات وتحقيق إيرادات إضافية. وهناك حاجة إلى إجراء تصحيح مالي كبير ومستمر بوتيرة ملائمة في السنوات المقبلة لمواصلة التصدي لآثار انخفاض أسعار النفط على الموازنة. غير أنه ينبغي إجراء هذا التصحيح تدريجيا؛ نظرا لهوامش الأمان المالي الكبيرة لدى المملكة، وتوافر فرص التمويل، وموقف الاقتصاد الراهن في الدورة الاقتصادية.كما تعكف المملكة كذلك على إجراء إصلاحات؛ للحد من القيود أمام دخول المرأة إلى سوق العمل. وتشمل دعم تكاليف المواصلات ورعاية الأطفال، والتوسع في توفير مراكز ضيافة الأطفال، وتشجيع زيادة استخدام نظام العمل عن بُعد، ومؤخرا اتخاذ قرار التصريح للمرأة بقيادة السيارة. ويمكن أن تشمل حوافز توظيف المرأة أيضا دعم رائدات الأعمال من خلال البرامج المخصصة لهذا الغرض في إطار مبادرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم الحوافز المؤقتة من المالية العامة لمساعدة منشآت الأعمال على إقامة أماكن العمل أو إعادة تهيئتها لتكون ملائمة لاستقبال النساء على نحو يتماشى مع الأعراف الاجتماعية.