فهد السلمان

اللبنانيون وثقافة «صبّاط» السيد !

هي مسألة فوق كل قدرات الاستيعاب أن تتخيّل الواقع المؤلم لهذا اللبنان الذي كان قد أنجز ذات يوم ثقافة جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبي ماضي، وفيروز ووديع والرحابنة ونصري شمس الدين وإلياس أبو شبكة وغيرهم، لبنان الذي كان يوم كانت أمته غارقة في تخلفها يسند ظهره إلى شجرة الأرز ليقرأ إنتاج مطابعه، أو يصيخ مسامعه لنغم فيروزي حالم، لبنان الذي كان يأخذ مقاسات ملابسه من أوروبا لأنه ولا مقاس عربي واحد يمكن أن يضاهي جمال امتشاق قدّه، لبنان الذي يجد صورته في سويسرا، مثلما وجد فيه موسرو عالمه ملاذهم من خيبات أمتهم، ومشافي عللهم، لبنان الذي خرج منه قدموس على سواحل صيدا، ووهب أوروبا اسمها تيمنًا بشقيقته، لبنان الذي شهد مولد الأبجدية. مؤلم ألا تجد ما يربط هذا اللبنان الذي له كل هذه الفخامة، وهذا الكبرياء، وهذا الثراء، وبما يتجاوز مساحة أرضه بلبنان حسن نصر الله وكيل دولة الملالي، الذي أفرغه من سرّ وجوده حين لفّه كجثة هامدة بعباءة الولي الفقيه. مؤلم ألا يبقى من كل تلك الوجوه الباهرة التي صنعتْ جمال وألق وجه هذا البلد الفريد سوى دمامة سطوة السيد المعمم الذي يأمر فيُطاع، ويقول فيُسمع. مؤلم أن تنتكس تلك الثقافة المستنيرة التي بثتْ ضياءها على مدى عقود إلى كافة أرجاء الوطن العربي، لتُستبدل بثقافة تقديس (غبار صبّاط السيد) في مشهدٍ لا يشي إلا بالإذعان والاستسلام لقوى الظلام، ومنطق تجار السلاح الذين لم يختطفوا السلطة في لبنان وحسب، وإنما اختطفوا قبلها هوية هذا البلد التي ما كانت حكرًا على أبنائه، بقدر ما كانت هي إحدى مصادر الإلهام المفقود في هذه الأمة، وأبرز منصات ثقافتها وآدابها وفنونها. ثقافة تقديس الـ(صبّاط)، ورفع مقام أحذية هذا الذميم ووكلاء العمائم في المنطقة إلى ما فوق رؤوس البشر، والتي أودتْ بكل تاريخ لبنان وميراثه الثقافي رغم ضخامته، ستفعل الشيء ذاته لو تمكنتْ من أن تمتد بأذرع هذا الحزب إلى بقية منطقتنا في اليمن والبحرين وفلسطين وكل مكان يستطيع أن يصل إليه، ما لم يُستأصل هذا السرطان من الجسد العربي، ويسترد لبنان عافيته ودوره وشموسه، فيستحمّ بالعطر كما كان، ويتنشّف بالنور.