ماذا تعلمت من الأرنب والسلحفاة؟
حين كنا أطفالا في الروضة، درسنا قصة الأرنب الموهوب الفوضوي والسلحفاة البطيئة المثابرة، والدرس المفترض حينها من القصة أن الجهد المنتظم والإصرار يتفوق على الموهبة غير الملتزمة، لكن معظمنا كبر وهو يخطط ليكون ذلك الأرنب الموهوب رغم فوضويته، ورغم مسعى القصة لتعزيز فاعلية بذل الجهد، إلا أنها في الأغلب قد عززت التصور السائد بأن الجهد خيار المحدودين إبداعيا، وحين يُسقط الموهوبون الكرة يتسلل المثابرون لالتقاطها.تلك القصص جعلت الأمور تبدو وكأنها (إما، أو)، فإما أن تملك الموهبة الفطرية، أو تبذل الجهد المركز للحصول على الهدف، فالجهد يبذله محدودو الذكاء وليس خيار الموهوبين، وإذا كان عليك أن تبذل جهدا في شيء، فمن المؤكد أنك لست مبدعا فيه، لأن الأشياء تحدث بسهولة للمبدع الحقيقي.سنرمز لأصحاب تلك العقلية بـ «أنصار الأرنب الفوضوي» ونقصد بهم أولئك المقتنعين بفكرة اقتران بذل الجهد مع محدودية الكفاءة، وأن ذلك ينتقص من إبداع الموهبة، لأن أبطال القدرات الخارقة ليسوا بحاجة لبذل التدريب المستمر والالتزام ببذل الجهد، وخطورة هذا التفكير أنه يجعل الناس يعتقدون أن الجهد مرادف لمحدودية الذكاء، والعبقرية لا تحتاج للجهد، فالجهد يبذله فقط الذين يفتقدون الكفاءة، وأن محاولة المبدعين لبذل الجهود تنتقص من موهبتهم.لا يستفيد أصحاب تلك العقلية من الحكمة، التي تقول «أن تصبح خير من أن تكون»، لأنهم لا يمنحون المجال لأنفسهم بخوض رحلة الجهد المتراكم والقدرة المتولدة من الانضباط والتدريب، فهم يعتقدون أن المرء إما أن يولد وفي فمه ملعقة الموهبة الفطرية أو أنه لا مجال لأن يكون شيئا والأجدى أن يتنحى جانبا عن المسار الإبداعي. إن إمكانات تطوير الدماغ أكثر بكثير مما يتصور هؤلاء، ويملك الناس القدرة على التعلم وتطوير الفرص لمدى الحياة، ورغم أن لكل شخص ملكة وراثية فريدة ومؤهلات وطباعا مختلفة إلا أن ما يضمن استمرار وقوده لآخر الطريق هو التدريب الشخصي وجهد المثابرة والانضباط بالرغم من امتلاك الموهبة لدى البعض، فالعامل الأساسي لتحقيق البراعة ليس القدرة المسبقة الثابتة، بل الممارسة المستمرة الهادفة، والأشخاص الذين يبدون الأذكى بداية ليسوا دائما مَنْ ينتهون الأذكى.