القدس وإنتاج الصراع بقرار أمريكي
قضية القدس من القضايا المحورية للأمتين العربية والإسلامية وغير قابلة للمزايدات، لأنها تظل معلقة بمفاوضات الحل النهائي، ودون ذلك فإن أي خطوة باتجاه تغيير الوضع فيها تمثل تهديدا مباشرا وحقيقيا للأمن والسلم الدوليين، بما يترتب عليه من ارتفاع في مستويات الغبن والشعور بالظلم والانتصار لطرف دون الآخر.قرار الرئيس الأمريكي الأخير بنقل سفارة بلاده الى القدس كان قفزة واسعة في الظلام، ولا يليق ذلك بدولة كبرى تعتبر طرفا رئيسيا في عملية السلام، وهذا القرار يفقدها حيادها وحضورها المتزن في المفاوضات، ولذلك بحكم الثقل الدولي للمملكة وتأثيرها العربي والإسلامي فإنها دعت الإدارة الأمريكية للتراجع عن قرارها بشأن القدس والانحياز للجهود الدولية الرامية لتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة.المواقف السعودية تتسق مع جهودها المستمرة لحل القضية وتسويتها في إطار عادل وشامل، وقد سبق أن أطلقت المبادرة العربية في قمة بيروت العربية، التي حظيت بقبول عربي ودولي واسع، وتم اعتبارها خارطة طريق لحل كل الأزمات، وهي، في تقدير كثير من الخبراء، أفضل حلول معالجة قضية السلام واستيعابها في ميزان جماعي يجعل السلام يشمل كل العرب ولا يتوقف عند الفلسطينيين فقط.ولعل إجماع العرب على المبادرة السعودية كان من الحالات النادرة والاستثنائية التي اتفقوا فيها، فالجميع يرغب في إنهاء الصراع وإيقاف الاحتلال، والوصول الى سلام دائم، فذلك يفيد العرب والإسرائيليين، غير أن تعنت الإدارات الإسرائيلية في مواقفها تجاه المبادرة والسلام جعلها حبيسة الأدراج، فيما يظل العرب يرفعونها لأنها آخر ما يمكن تقديمه لتحقيق سلام عادل ومنطقي.نقل السفارة الأمريكية الى القدس قبل التوصل الى حلول سلمية يمثل تهييجا للمشاعر، وينتج مزيدا من المتطرفين الذين يجدون أنهم أمام مبررات مثالية للقيام بأعمال إرهابية، وذلك ما ينبغي ألا يحصلوا عليه، لذلك وجد القرار رفضا دوليا كبيرا حتى من الأوروبيين ومجلس الأمن والأعضاء الدائمين فيه، لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية وحدها في مواجهة المجتمع الدولي، مع العلم أن هناك أصواتا كثيرة داخل أمريكا ترفض القرار وتؤكد أنه كارثي على مستقبل العملية السلمية.السلام لا يأتي بسياسة الأمر الواقع، ولا يمكن لمفاوضين أن يجلس أحدهم تحت الضغط للقبول بكل شيء دون الحصول على شيء، فذلك غير منصف ولا يحقق أمنا أو سلاما، لذلك كما دعت المملكة نأمل أن تراجع الإدارة الأمريكية قرارها، ونرى عملا حقيقيا باتجاه تنشيط المفاوضات بدلا من تأجيج الصراع وانتاج أزمات جديدة.