ومن اللؤلؤ نتعلم الكثير
يتعامل البعض مع الحياة كمعركة متعددة الأعداء، فأي خبر في نشرة الأخبار يستفز أعصابنا، وأي تصرف فظ من أحد البائعين يجرح ثقتنا، وأي شعرة رمادية تنعكس في المرآة تقلق هدوءنا، وتتجدد مخاوفنا حيال المستقبل وندمنا على الماضي كدعوات إجبارية لمعارك لا تنتهي، وكلما بقينا ضالين عن السبب الحقيقي لصراعاتنا مع الحياة، سيستمر استنزاف طاقاتنا في تبادل مواقعنا بين الهجوم والدفاع، بدلا من الاستمتاع باستثمار حياة خلاقة وفعالة.كلنا بلا استثناء يتعرض لذلك الصوت الناقد الشرس الذي يدوي داخل أذهاننا، والذي يجعلنا نشكك في إنجازاتنا، ويفسد العديد من قراراتنا أو لحظات بهجتنا، وبدلا من مواجهته والتفاهم معه بحكمة فإننا نتجاهل السبب الرئيسي ونعكس اتجاه السير للخارج، لنخوض مواجهات يومية بهدف حماية أنفسنا من أعداء ليسوا في الواقع مسؤولين عن الألم النفسي الذي نتهمهم فيه، ونغفل عن طبيعة الحل الأهم لجميع صراعاتنا المتمثل في قرار شجاع لبدء الشروع في مغامرة استكشاف داخلية لتفحص جوانبنا الخفية.لقد اختار الكثير أن يظلوا في غفوة نفسية طويلة لا تجعلهم متيقظين للقوى السحرية بداخلهم، ويبرز الوعي كتجربة تشافي لعلاج انسحابهم وتشجيعهم في التخلي عن أفكارهم المحبطة، وإكسابهم علاقة جديدة مع الحياة، ولكن لا بد لتجربة الاكتشاف تلك أن تنبع من اقتناع داخلي حتى تترسخ المفاهيم، فالأفكار المقلدة لإرضاء الآخر، دون إيمان لا يمكنها النمو وإنضاج جوانب الشخص بحكمة.تبدأ رحلة اللؤلؤة بحبيبة رمل تجد طريقها داخل المحارة، مما يجعلها تشكل وببطء طبقات فوق بعضها البعض لحماية حبة الرمل، وهكذا تتكون اللؤلؤة، وبهذا القانون تنمو الحياة دوما من الداخل للخارج، وعندما تتخلص الذات من ذلك الفهم الخاطئ بأن الأمور تداهمنا من الخارج، وتقدر قوة الاستجابات الداخلية، ستواجه سلبية التدمير الذاتي وسيشع حينها اللؤلؤ الكامن بداخلنا.