هذا فتح.. وذاك استعمار!
من أكثر الأمور التي تستفز أبو البندري غفر الله له، هي اللمز والحط من قدر حضارتنا العربية والإسلامية على مدى العصور، ويبلغ الاستفزاز أوجه حينما يصدر من «مثقفين»، إذ هي خطيئة ثقافية لا تغتفر.يقول مغرد:زرعوا فأكلنا، نزرع فيأكلون، حكاية الاستعمار، حينما فعلناها كان فتحا وحينما فعلوها كان استعمارا والفعل واحد، ما زلنا نتغنى بالأندلس مع أن كل الحكاية جماعة استعادت أرضها ولو بعد حين!أزمة ثقافية حينما لا يفرق المثقف العربي بين الفتح الإسلامي والاستعمار الغربي، ويضعها في سلة واحدة.الفتح الإسلامي يا سادة هدفه نشر الإسلام الذي لم يكن من مبادئه إكراه الناس على الدخول فيه، وإخراج الناس من ضيق الدنيا لسعة الآخرة. أيضا في الفتوحات نشر لقيم العدل والعلم والمعرفة، فليس فيه تسلط ولا تشريد لأهل البلد. كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يوصي الجيوش فينهاهم عن قتل الأطفال والنساء والرهبان وكبار السن، بل نهى عن قطع الأشجار.الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين، عكس ذلك تماما، ابحثوا عما فعلته فرنسا في الجزائر، وقد رفضت الاعتذار عن جرائمها، شاهدنا همجية أمريكا لما احتلت العراق فوأدت كل مقومات الحياة، ومثل ذلك الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.في فتح بيت المقدس في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، كتب لأهل القدس «الوثيقة العمرية» وجاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسائر ملتها، أن لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم». كانت بحق تلك الوثيقة تسامحا إنسانيا عالميا. ونقبوا في تاريخ الأندلس عن فضل حضارة العرب على الأوربيين، فالألمانية «زيغريد هونكة» ذكرت فضائل الحضارة العربية على أوروبا، واستفادة أوروبا من علومها ومعارفها، عبر كتابها الرائع «شمس العرب تسطع على الغرب». وشهد الكثير من المستشرقين بفضائل الفتوحات الإسلامية.. فـ«روبنسون» يقول: «أتباع محمد وحدهم الذين جمعوا بين معاملة الأجانب بالحسنى، وبين محبتهم لنشر دينهم، وكان من أثر هذه المعاملة أن انتشر الإسلام، وعلا قدر رجاله الفاتحين».الخلط بين الفتح الإسلامي والاستعمار الغربي، فيه قتل لروح العزة عند المسلمين، وتشويه لتاريخهم، وفيه جلد للذات وحط من الحضارة الإسلامية التي وصلت الآفاق. وتصور بعض الروايات والمسلسلات التاريخية أن الهدف الرئيس من بعض الفتوحات هو المرأة كما زعموا، وتتعمد إخفاء أن العقيدة هي السر الكامن وراء انتصارات المسلمين.يعترف المستشرق «توماس آرنولد» بأن القبائل النصرانية اعتنقت الإسلام عن اختيار وإرادة، ويذكر أن النصارى كتبوا إلى المسلمين يقولون لهم: «يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، وأحسن ولاية علينا».ويقول مستشرق آخر: «العرب عاملوا اليهود في الأندلس أحسن معاملة. وعندما طرد النصارى العرب من الأندلس لم يطيقوا إبقاء اليهود، فدبروا لهم تهما، وأحرقوا آلاف اليهود».* قفلة..من أعجب الأفكار أن يشهد خصوم المسلمين بسمو الحضارة العربية، بينما بعض العرب يتنكرون لتاريخ أمتهم ويجحدون مكانتها!ولكم تحياتي.