حاصر ناقدك الداخلي
يبدو البعض وكأنه أسوأ ناقد لذاته، ويلومها بشدة على معظم أدائه أو سلوكياته، فحين يتمكّن من إنجاز ٩٨٪ من أعماله، فإنه بدلًا من مكافأتها يسارع بتأنيبها لعدم تنفيذها الـ٢٪ المتبقية، مما يسرق فرحه ويجعله يفشل في الاحتفال بما فعله لتركيزه السلبي على ما لم يفعل.قد يكون التفسير الكامن لتصرفات هؤلاء هو انشغالهم في تفاصيل مثالية ومقاييس غير واقعية مفروضة عليهم من برمجياتهم الإدراكية منذ الطفولة، أو من محيطهم المليء بشخصيات ناقدة تسمم صفاء حياتهم، ويعيشون دومًا في الفجوة المزعجة التي أوجدوها بين ما يفعلون وما يعتقدون أنه يجب عليهم فعله، مما يجعلهم غير قادرين على تقدير جهودهم، وتبدو حياتهم كمعركة مستمرة بين النتائج والخسارات التي تكون دومًا لصالحهم، مما سيؤدي في النهاية لعدم التقدم في الإنجازات والشعور باللا جدوى والانسحاب من أي محاولة تطوير، واستخدام النقد الذاتي كحيلة خفية للتهرّب من مواجهة المسؤولية والتصرف بذات طفولية بعيدة عن شجاعة المواجهة.تبدأ كل الانتصارات الخارجية من داخل وعيك، فهناك المكان الذي تربح فيه وتخسر، وإن شكل العالم الذي يتواجد حولك هو مجرد ترجمة للصورة المقررة مسبقًا في ذهنك، وحتى تقطع رحلتك في الحياة بسلاسة فأنت لا تحتاج لعدو داخلي يسرق إيجابيتك، ويعرقل مسيرتك بحجج الكمال السرابية. انوِ تحرير نفسك من تلك التوقعات اللا منطقية، واسترجع بذاكرتك جذور برمجتها، والرسائل السلبية التي استلمتها في طفولتك وتصالح مع مخاوف الرفض لدى طفلك الداخلي، وتأمل ما الذي كسبته من حملك مثل هذه التوقعات المقيدة طوال تلك السنوات، وهل كان تأثيرها النهائي محفّزًا أم محبطًا؟في المرة القادمة التي تبدأ فيها بانتقاد نفسك، كن واعيًا لذلك الصوت المزعج، واقلب الأسطوانة لأخرى تعزف لحنًا جميلًا يمدح شيئًا مميزًا فيك.