د. حسن العالي

ارتفاع أسعار الغذاء والأمن الغذائي

مع إعلان منظمة الأغذية والزراعة عن ارتفاع أسعار الغذاء في العالم بنسبة 8،2% عام 2017 بالمقارنة مع 2016، واتجاهها للمزيد من الارتفاع في عام 2018 مدعومة بالطلب القوي والانتعاش العالمي وعودة أسعار النفط للارتفاع، يتسلط الضوء مجددا على فاتورة الغذاء الخليجية، حيث تستورد دول التعاون ما بين 80 – 90% من احتياجاتها الغذائية من الخارج، وتقدر قيمة هذه الفاتورة بنحو 40 مليار دولار عام 2016 بينما يتوقع ارتفاعها إلى نحو 50 مليار دولار مع حلول عام 2020. ومنذ أزمة الغذاء العالمي عام 2011 وبلوغ أسعار الغذاء ذروتها في ذلك العام والضرر الكبير الذي لحق بالموازين التجارية الخليجية، سعت دول التعاون منذ ذلك الوقت إلى تكثيف استثماراتها في الغذاء سواء داخل بلدانها أو بعض البلدان الشقيقة والصديقة. فقد ارتفع عدد مصانع المواد الغذائية في دول التعاون من 1606 مصانع في عام 2010 ليصل إلى 1965 مصنعا في نهاية العام الماضي، بمعدل نمو سنوي تراكمي يبلغ نحو 5.2%. كما نما حجم الاستثمارات بمعدل أسرع وبلغ خلال السنوات الخمس الماضية نحو 14.8% سنويا، ليصل إلى نحو 24 مليار دولار في نهاية العام الماضي. وفي الخارج باتت دول التعاون تمتلك استثمارات كبيرة في الأراضي الزراعية والصناعات الغذائية في أنحاء العالم، وباتت وبشكل متزايد تستكشف فرص الاستثمار في الصناعات الغذائية في الدول العربية والأفريقية والآسيوية في مسعى لتوسيع مفهوم الأمن الغذائي. ورغم هذه الجهود، فإن دول التعاون تحتاج للمزيد لمواجهة التحديات التي يفرضها واقع النمو السكاني الكبير في دول الخليج، التي أصبحت سوقا تضم أكثر من 50 مليون نسمة نصفهم تقريبا من المقيمين. ويبين تقرير أعدته شركة «آسيا» للاستثمار الكويتية أن دول مجلس التعاون الخليجي سجلت واحدا من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم خلال العقد الماضي، وأن ذلك المعدل يفوق 4 مرات معدل النمو السكاني في الولايات المتحدة، وسبع مرات أعلى من الصين، وعشر مرات أعلى من دول الاتحاد الأوروبي.وتقول دراسة لمركز الدراسات العربية: إن تحقيق الأمن الغذائي الخليجي يمثل أهمية كبرى لدول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما بعد تنامي التحديات التي تواجهها في هذا الشأن، ومع توقع ظهور تحديات أخرى جديدة مع ارتفاع الفجوة الغذائية التي تشهدها. ولعل أبرز تلك التحديات هي محدودية موارد القطاع الزراعي في دول المجلس من أراض زراعية ومياه وتحديات مناخية وبيئية صعبة، حيث لا يشجع ذلك على زيادة الإنتاج الزراعي، يضاف إلى ذلك قلة التمويل والاستثمار الموجه للنشاط الزراعي، ومحدودية التنسيق الخليجي والمشروعات المشتركة في المجال الزراعي، وضعف استخدام التقنيات والأساليب الحديثة في الزراعة، ومحدودية الأراضي المتاحة للزراعة، مع ضعف اهتمام القطاع الخاص بتوجيه استثماراته نحو القطاع الزراعي والتصنيع الغذائي، وعدم وجود سياسة زراعية واضحة في مقابل دعم الإحلال العمراني والاستثمار العقاري على حساب القطاع الزراعي وتنميته.وأمام استمرار محدودية الموارد الزراعية ترجح تقديرات شركة «إيه تي كيرني» ارتفاع الفجوة الغذائية لهذه الدول إلى نحو 106 مليارات دولار بنهاية السنوات الخمس المقبلة، بنسبة زيادة تقدر بنحو 27% عن مستواها الحالي.وهنا ينبه خبراء أيضا أن الاستثمار الزراعي في الخارج وبعكس الاستثمار الصناعي يخضع لاتفاقات دولية بالغة التعقيد يفوق عددها 17 اتفاقية، والتي تقتضي منح كافة الدول الحق المطلق في حصر بيع سلعها الزراعية على سكانها فقط إذا وجدت أن ذلك في مصلحة مواطنيها واقتصادياتها، حتى لو كان المستثمر في زراعتها أجنبيا، إلى جانب منح الدول المنتجة للغذاء الحق المطلق في حظر تصدير سلعها الغذائية طبقا للمادة «11- 2- أ» من الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة «الجات»، التي نصت على حق الدول في فرض الحظر على الصادرات بقصد منع أو التخفيف من وطأة أوجه النقص الحرج أو الحاد في المواد الغذائية أو المنتجات الأخرى التي تعد ضرورية ولا غنى عنها بالنسبة للمصدرين. لذلك، فإن على دول التعاون وإزاء توقعات ارتفاع أسعار المواد الغذائية سواء لأسباب عالمية أو لأسباب داخلية تتعلق بفرض الضرائب ورفع الدعم مواصلة جهودها من أجل تأمين أمنها الغذائي وفي المقدمة منها تطوير سياسة غذائية متكاملة تتمثل في الترابط بين دول المجلس وتنسيق السياسات الغذائية. كذلك العمل على تطوير وتطبيق تشريعات مبنية على أسس علمية تتواءم مع أفضل المعايير والممارسات الدولية، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين معدلاته باستخدام أفضل الممارسات العالمية والتقنيات الحديثة بناء على الميزة النسبية للسلع الزراعية، مع زيادة الكفاءة المحلية من خلال تطوير طرق الإنتاج المعتمدة في القطاع الزراعي المحلي.كما يتطلب العمل على إعادة بلورة خطط تحقيق الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون من خلال توجيهها لتحقيق الاكتفاء الذاتي بالنسبة للسلع الضرورية بنسبة مقبولة حتى لا تتأثر المنطقة أكثر مما هي متأثرة بالغلاء السائد وإنشاء نظام إقليمي للإنذار المبكر بشأن الأغذية والأعلاف لتبادل المعلومات والبيانات عبر شبكة تربط السلطات الرقابية المعنية بسلامة الغذاء في الدول الأعضاء، مع تعزيز الاهتمام بالدراسات والبحوث العلمية الخاصة بالأغذية والزراعة.