د. أمل الطعيمي

صريع الغواني

مسلم بن الوليد شاعر عباسي قال يومًا في قصيدة له ألقاها على مسمع هارون الرشيد:هل العيش إلا أن تروح مع الصباوتغدو صريع الكأس والأعين النجلفقال له هارون: أنت صريع الغواني فلازمه ذلك اللقب حتى اليوم. ويبدو أن هذا يختصر كثيرًا من سيرة الرجل الشعرية الذي قال وأكثر من الغزل بأسلوب سهل ينطوي على شيء من روح بشار بن برد وعمر بن أبي ربيعة. كما أن شعره يعكس صورة رجل لعوب يتنقل من هوى لآخر وإن سماهن جميعا (سحر) أو ربما كانت هي حبه الصادق الذي ما نال فيه مبتغاه فغدا صريعًا للهوى في وجوه الغواني الكثيرات اللاتي تحدث بلسانهن في شعره فيتهمنه بتعدد المعشوقات.وهو يستهل إحدى قصائده بقوله:هذا هو حال من لا يعرف قلبه الحب الصادق المخلص. قلب يضطرب مع كل غانية لها ما لها من جمال ودلال. ولم تكن حاله تلك سرًا يخفى بل هي حقيقة يتناقلها من حوله ويؤكد عليها هو في كثير من أبياته من حيث يدري ولا يدري كتاب فتى أخي كلف طروبإلى خود منعمة لعوبفهو يصف نفسه بأنه كلف طروب والكلف عشقًا لا يتفق مع الطرب إلا في حالة الرضا وما ذاك بحاله فطربه إشارة واضحة إلى أنه رجل لعوب يتقرب من كل حسناء لأن الكلف من شأن العاشق المحروم من حبيبة واحدة يتمنى وصالها دون غيرها فيصعب عليه ذلك تمنعًا منها أو من ظروف محيطة بهما معًا. وتأخذ القصيدة بيدنا إلى تأكيد ذلك حين يحكي على لسان إحداهن وصفًا حسيًا لها هو بيت القصيد بالنسبة للشاعر المفتون بالجمال.وقد قالت لبيض آنساتيصدن قلوب شبان وشيبأنا الشمس المضيئة حين تبدوولكن لست أعرف بالمغيببراني الله ربي إذ برانيمبرأة سلمت من العيوب... وخلقي مسكة عجنت ببانفلست أريد طيبًا غير طيبيوجلدي لو يدب عليه ذرلأدمى الذر جلدي بالدبيبوصلناه فكلمنا بسحْرٍكذلك كل ملاق خلوبيبدو أنه كان يتكئ كثيرًا على قدرته اللغوية والأدبية في التأثير عليهن، ولكن بالتأكيد لن يستطيع بسحر بيانه أن يترك أثرًا قويًا عليهن جميعًا فبعضهن أقوى من أن يخضعن بسحر الكلام وإن طابت لهن عذوبته! وهذا شأن كل من لا يتجاوز غرامه ناظريه إلى قلبه. فلسانه لا ينطق إلا عن استمتاع بالجمال وليس عن عشق يمس شغاف قلبه وهو يعترف بهذا فيقول:وما ظلمت ولكنا ظلمنافقد تبنا إليها من قريبهي صادقة إذا فيما ذهبت إليه، وفي تخوفها منه ذلك الخوف الذي لم تجد معه شفاعة صاحباتها عندها له حين طلبن منها أن تعطف عليه وترق لحاله حتى جعلن في مداراتها له بعض الأجر والثواب!!وإذا عدنا بعد هذا إلى بيته الأول في مطلع المقال أكبرنا في الشاعر ذاك الصدق حتى في عيب يتسبب في هروب الغانيات منه وتخوفهن من وصاله، وحق لهن ذلك.