مديح التعتيم والابتزاز
من المؤسف أننا كنا بحاجة إلى خديعة (الابتزاز النووي) في حرب الغفران، ولا يمكن لأي شخص من المتورطين بالأمر التملص من المسئولية عمّا حدث؛ لكن لو لم تنفذ تلك الخديعة على ذلك الشكل، لكان حالنا أسوأ بكثير...في لقاء بثته القناة الثامنة في التلفزيون الإسرائيلي يروي نفتـَلي لـَفيه ( الناطق بلسان موشيه ديان إبان حرب يوم الغفران)أكتوبر (1973 كيف طرح ديان )وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك(في اليوم الثالث للحرب، فكرة استخدام أكثر الوسائل إيلامًا لصد المصريين. وبذلك، يدعم لـَفيه جزءًا، على الأقل، ممّا كتبه سايمور هيرش بهذا الصدد، في كتابه خيار شمشون ، منذ 12 عامًا. وحسب ما نشر على لسان لفيه، فقد عبر ديان عن أفكاره النووية على مسامع مساعديه. وحسب ما كتبه هيرش، فقد طرح الموضوع للنقاش في جلسة عقدها مجلس الوزراء المصغر برئاسة جولدة مئير (رئيسة الحكومة آنذاك)، حيث تقرر تجهيز الأسلحة النووية الاسرائيلية، وتوجيهها نحو أهدافها ، بما في ذلك نحو مقرات للقيادة العسكرية قرب القاهرة ودمشق) .ويقول هيرش، في حينه، ولفيه، الآن، إنه كان هناك من سارع إلى إبلاغ الأصدقاء في أمريكا بالقرار، عن سابق قصد (أو في سبيل الابتزاز النووي ، حسب تعبير هيرش) في سبيل تسريع تفعيل القطار الجوي لنقل الأسلحة إلى إسرائيل؛ وبالفعل، فقد بدأ هذا القطار بالتحرك بكامل قوته في الـ13 من أكتوبر.إن الأمر المثير في هذا الحدث، بعد 30 عامًا، هو ما ينطوي عليه من تعتيم. فقد كتب هيرش: في السنوات اللاحقة، لم يتجرأ أي شخص من الذين حضروا ذلك اللقاء، بما فيهم المستشارون وعاملات الطباعة - على التحدث في الموضوع علانية . وسواء تم تجهيز أكثر الوسائل إيلامًا أو لم يتم، (وهناك من يقول، إنه تم تعريضها لأشعة الشمس ولعدسات أقمار التجسس فقط)، فإن الأمر الذي يجب أن نحمد الله عليه هو أن حرب يوم الغفران لم تتجاوز الحرب التقليدية، وقد ثبت في تلك الحرب، كما كتب أفنير كوهين في كتاب (إسرائيل والقنبلة)، أن إسرائيل هي دولة نووية حذرة ومترويّة. ومن المناسب احتساب هذه العبارة بأكملها بين الإنجازات الإسرائيلية في تلك الحرب القاسية والدموية. وإذا لم يكن الضغط الخارجي علينا كي نتحرر من هذه الثروة الإستراتيجية ثقيلاً بما فيه الكفاية، في الوقت الراهن على الأقل، فإن هذا هو أحد الأسباب الهامة لذلك.إن الانطباع السائد بشأن ذلك التعتيم لا ينفصم عن التفكير الذي ولـّد التعتيم الإسرائيلي منذ البداية. ففي الخمسينيات، قرر بن جوريون أنه يتحتم على إسرائيل امتلاك سلاح قاس ٍ، لا مثيل له في قوته التدميرية (حسب أقوال لفيه)، لمواجهة احتمالات قاسية؛ ومنذ ذلك الحين، واجه بن جوريون ادعاءات تقول إنه لن يكون لهذا السلاح أي استخدام عملي؛ وعليه، فمن المفضل التنازل عنه. لكن يتضح أن بن جوريون كان يملك بعد نظر في هذا المجال أيضًا. وفي الأشهر الأخيرة بالذات من حياته، عندما كان بعيدًا عن دفة الحكم، جنت إسرائيل فائدة كبيرة من أحد القرارات غير التقليدية التي اتخذها.ومن المناسب التذكير، في هذا الصدد، بواحدة من النقاط الإيجابية القليلة التي سجلتها القيادة الإسرائيلية لصالحها في حرب يوم الغفران. فرغم فشلها المخجل بقراءة جميع العناوين المكتوبة بوضوح على الجدار ، وعدم قيامها بواجبها الأساسي في ضمان جاهزية الجيش على الصعيدين العملياتي واللوجستي، ورغم غوصها في حالة من الجمود الفكري واللامبالاة التي قاربت حد الفوضى - رغم كل هذه الإهانات الرهيبة التي كلفتنا ثمنـًا دمويًا باهظًا، وكذلك ثمنـًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا، تمكنت هذه القيادة من القيام بخديعة الابتزاز النووي اللامعة. من المؤسف أننا كنا بحاجة إلى تلك الخديعة، ولا يمكن لأي شخص من المتورطين بالأمر التملص من المسؤولية عمّا حدث؛ لكن لو لم تنفذ تلك الأحبولة على ذلك الشكل، لكان حالنا أسوأ بكثير . يديعوت احرونوت