خالد بن قاسم الجريان

وانكسر الزجاج

كلما نظرت إلى مكانها تألمت كثيراً .. وكلما سمعت تهشمات زجاج تقاطرت الدموع من عيني .. وكلما سمعت انكسار قارورة تفطر قلبي ورجعت خيوط ذاكرتي إلى هذه القصة .. لا أعرف لماذا ؟ قارورة جميلة كانت محل إعجاب الكثيرين .. ظفر بها شيخ كبير دفع من أجل الحصول عليها كل ما يملك كانت محل نظره واعجابه، تراه إذا جلس احضرها إلى محل جلوسه ليراها .. كانت جل اهتمامه أعد لها في منزله مكاناً عالياً لا تمسه يد ولا تعبث بها أصابع شاردة تغير جمالها وروعة نضارتها ... لكن يبدو أن خدشاً بسيطاً كان في رأس القارورة لم يلمحه الشيخ الكبير .. لم يستمر الحال طويلا حتى أصيب الرجل المسن بنوبة قلبية أدخل على أثرها المستشفى .. بعد الفحص والتحليل قرر الطبيب إجراء عملية وفي أسرع وقت اختلطت أوراق الرجل .. ماذا عساه أن يفعل .. المبلغ المطلوب كبير جداً .. لم يكن أمامه إلا أن يبيع أثاث المنزل .. وأول ما تمتد يده لبيعه هذه القارورة التي أحب بقاءها عنده، ولكن الأمر خرج من يده ... اضطر إلى بيعها .. وفعلاً اشترتها منه سيدة ثرية بثمن زهيد رضي به ... أخذتها السيدة وفي منزلها الجميل وعلى رفها الأثري وضعتها .. السيدة لم يهمها اقتناء القارورة بقدر ما يهمها أن تدفع المال لصاحبها .. لذلك لم تكن القارورة الجميلة رغم ملاحتها محط أنظارها ركنتها في تلك الزاوية .. أصبحت الخادمة هي التي تقوم على تنظيفها ومسح الغبار عنها كادت تنكسر أكثر من مرة جراء عبث الخادمة التي لا تعيرها ادنى اهتمام .. وفي أحد الأيام تسلل لص إلى منزل السيدة الثرية، فتح باب الصالة الخارجية .. حاول أن يتحسس صوتاً أو همساً يبدو أن المكان آمن أحذية أهل البيت كثيرة لم يعبأ بها .. انسل بسرعة إلى الداخل وجهاً لوجه يقف أمام السيدة يفتح الباب بخفه صرير الباب يخيفه .. يتصبب عرقاً يبدو أن البيت كله نائم أو سادر في لهوه هكذا كانت تحدثه نفسه .. داخل الغرفة .. اختبأ خلف الباب ترك شيئاً من الضوء ينفذ إليها لعله يلمح شيئا غالياً يخطفه بسرعة .. الظلام يخيم على أجواء الغرفة على يساره تبدو بعض محتوياتها يزيح الستار بيده لعل ضوء النافذة يسعفه في أن يرى ما تبقى منها . فجأة وهو يستدير يرى شخصاً يراقبه .. اضطرب قلبه، تلاحقت أنفاسه .. ابتسم قليلا إنها صورته في المرآة، هدأت نفسه .. اقترب من المرآة في زاويتها لمح شيئا يلمع .. امتدت يده إليه إنها قارورة ، قارورة جميلة يبدو أنها ثمينة، إنها اغلى من الذهب ، قاله في نفسه، أمسكها بيده وراح يقلبها اقترب من الباب سمع صوتا قريبا من الغرفة، ارتجفت قدماه .. إنها السيدة تهلل، ثم تدخل الغرفة المجاورة .. تنفس الصعداء .. فتح اللص الباب .. تسارعت قدماه إلى المكان الذي دخل منه ... أصوات مختلطة تصدر من إحدى الغرف، إنها أصوات أبناء السيدة يتضاحكون على لقطة فلم اعجبتهم ابتسم اللص وفي تهكم قال إنها أغلى من الذهب . قفز بها فوق السور، لم ينتبه إلى جار السيدة الذي كان يراقب قفزته .. أسرع الجار إليه محاولاً إمساكه . وفعلا أمسك طرف ثوبه .. شدة بقوة ..فجأة تنزلق القارورة من يده الأخرى.. فتسقط لتتحطم على صخرة الحياة يدفع اللص الرجل بكلتا يديه ويهرب، أسرع خلفه لكنه غاب في هدأة الظلام، بقيت القارورة متكسرة.. عاد الجار نظر إلى منزل السيدة.. قطرات الدموع تبلل لحيته، أخبر قريباً لها بما حدث ليلة البارحة تألم كثيراً لكنه آثر الصمت لأن الزجاجة كسرها لا يلتئم.. المحزن أن السيدة لم تشعر بما حدث.. فظلت القارورة مكسورة لا يعرف كاسرها ولا كيف انكسرت..