صحيفة اليوم

فضفضة نسائية

كانت رحلة عادية حزمت خلالها امتعتي بعد ان جمعت كل ما لدي من اشياء ثمينة لا يمكن لي ان اتركها في عالمي المادي المحدود ثم رحلت بعيدا تحت سقف نخلة شاهقة الارتفاع يغطيني سعفها الطويل ليحمي جسدي المنهك من هجوم ريح هوجاء قد تجتاحني هنا دون هوادة او رحمة.جلست اتأمل صفحة المياه الزرقاء في جدول صغير من الماء يسير بقربي.. المياه فيه تجري ببطء وشعرت اثناء جريانها بانها تود ان تسر لي حديثا خافيا عن اسماع البشر.. فقد كان جريانها رتيبا كوقع اخفاف الابل في كبد الصحراء.. هادئا كهدوء الليل حين يفرش اجنحته الدافئة على اجساد الخلائق فيبعث في نفوسهم الطمأنينة والارتياح والسكون.وعلى حواف ذلك الجدول تشبثت نباتات حديثة الولادة تحيطها ازهار فائقة الجمال رائعة التنسيق.. ازهار متفتحة سعيدة بعالمها الريفي الهادئ وفي الوقت نفسه تهنئ بتفتحها قدوم فصل الربيع البهيج المفرح. اما جدول الماء فما زال يسير.. مازال يتحرك ببطء.. وما زالت مياهه الزرقاء تناديني.. وكلما هبت موجة من الرياح العنيفة تحركت المياه في الجدول الصغير بشيء من السرعة التي تقفز على اثرها بعض القطيرات لتصل الى وجهي الحزين المكتئب.في هذه اللحظات اخذت اتأمل الصفحة الصافية الموجودة في الماء فرأيت فيها شيئا من الشفافية لم اعهده قط في وجوه اولئك الناس الذين التقيت بهم في حياتي كنت ارى صفاء غريبا وارتفاعا راقيا وفلسفة مبهمة لا ادرك كيف اصف محتواها.. رأيت وجهي الحزين المكتئب باديا وسط هذا الصفاء المتلاطم.. ورأيت قطرات المياه الباردة حين تقفز وتصل الى محاولة اطفاء احتراق الالم في عروقي وقتل ذرات اليأس والتشاؤم في دمي. ورغم انها كانت باردة الا انها حين لامستني شعرت منها بشيء من الحرارة.. حرارة التماسك والقوة.. وفي الوقت نفسه كانت رقيقة حانية كحنان الام حين ترفع كفها الامومي الطاهر لتمسح به على جبين وليدها المتعب من لوعة الايام وجراحات الزمن.عندها تنفست بعمق.. كانت تنهيدة طويلة صحوت منها وقد ذرفت عيناي من الدموع ما يملأ الانهار ولا اخال ان هذا الدمع دمع الم او حزن انما هو نوع من الامتنان والشكر الذي جاش به صدري الى خالق هذا الكون ومبدعه حين رأيت عظمته سبحانه بين قطرات هذا الماء. وما هي الا لحظة عابرة حتى رميت بقدمي في احضان الماء.. وسرعان ما احتالت ملامحي المكتئبة الى ابتسامة وردية مشرقة.. بعد ان انطلق صوت المؤذن بخشوع كلمات الاذان معلنا صلاة الفجر.. وبدأت العصافير تغرد.. لا بل بدأت تعزف لحنا غنائيا سعيدا باشراق يوم جديد. تهاني الصبيحة