صحيفة اليوم

د. خالد بن سعود الحليبي

هاقد اغتسلت الارض بطهور السماء، وارتحلت القلوب الى ينابيع البهجة، واشترك الكون في تسبيح واحد.. لخالق الارض والسماء.. فسبحان من انشأ السحاب.. وسبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته..نزل الحيا.. فأحيا به الله عروقا لا نبصر الا بها مباهج الحياة من حولنا.نزل الغيث.. فأغاث الله به خلايا في ارواحنا لاتعيش الا به.. نزل المطر.. فاكتحلت مقل الثرى المتلمظ في تجاعيد جلودنا.. الحياة بعده.. ليست تلك التي كنا نعيشها قبله..النفوس بعده.. ليست تلك النفوس التي كانت تخفق بالقلق بين جوانحنا..كل شيء يتجدد تحت مداعبات انامل اللؤلؤ المنثور من عنان السماء.. ما الذي حدث ويحدث؟!أهذا الذي يكتب هو انا الذي كان صامتا يختزل العالم الآخر بين حاجبيه؟!انا الهامد بين تلافيف الكتب المتراكمة من حولي؟ما اسم النار المتولدة في حروفي قبل ان تتخلق كلماتي؟ما اسم الانهار المتدفقة من بين سطوري حينما انثالت تلك الكلمات؟أيهذا الغيث الحائم في طبقات الجو.. استأذن ربك واهطل كلك.. نعم كلك..لاتدع للجيل القادم من مائنا شيئا..!!نريد ماءنا كله..فلا اظن ان الحياة سيبلغ بها الجفاف كما بلغ اليوم..!!انني حينما ادعوك ايها السابح فوق رؤوسنا ان تدع علياءك وتهبط الى حضيضنا.. ذلك ليس من اجل جيلي وحده..بل من اجل العصر القابع وراء المجهول في انظارنا!!انا لست انانيا.. ولكني مشفق على الانسانية القادمة من وهج الآلام الساكن في ظهور الرجال وارحام النساء!!فاذا كانت الاحقاد قد فاضت تحت اساسات بيوتنا.. فما الذي ينتظر جدرانها؟واذا كانت العداوات تتوارثها دماء المحمومين.. فما الذي نتوقع لتماسك الانسان في المستقبل القريب؟فلتهطل اذا ايها المطر.. فليس مستحيلا ان تنتعش بقايا المجد الآفل وراء الاحزان.وليس بعزيز على الله الذي اهتزت بمائه الارض وربت وانبتت من كل زوج بهيج.. ان يهز بك بقايا العزة في عظامنا!ولتغرق كل حفر الطرق التي تشكلت كالجدري المائي في كل شوارعنا..ولتجرف كل الغبار الساكن فوق مظلات نوافذنا..ولتصافح كل اوراق الشجر المرفوف حول ابوابنا..لا تتوقف.. حتى وان تهدمت جدران اثرياتنا..ولكن لا تصغ لمن يرجو بروقك فهناك من قد يحترق بضيائها الخطاف.. ولا لمن ينتظر غضب رعودك.. فأولئك قوم لايعيشون الا على فرش الدموع والدماء..ايها المطر الراعد البارق المتواصل.. حنن دقاتك على لبنات الطين البالية ولا تجنح.. فهناك بيوت لاتهدأ الا اذا رحلت..فاني ارجوك من ربي غيثا هنيئا مريئا غدقا.. تنبت الربيع بين نبضات افئدتنا.. قبل ان تفرش خضرته فوق آرائك البسيطة من حولنا.. حقا.. ما اروع الحياة حين تغتسل القلوب بماء السماء.