عبد الله بن عبد الستار العلمي

تفاعل الميزانية مع المؤشرات الاقتصادية

تفاعلت أرقام الميزانية العامة للدولة إيجابياً مع أغلب المؤشرات الاقتصادية مؤكدة على تماسك الاقتصاد الوطني للمملكة العربية السعودية وقدرته على امتصاص الآثار السلبية التي يتعرض لها العالم بين الحين والآخر. تبحث هذه الورقة انعكاسات الميزانية العامة للدولة على الوضع الاقتصادي العام.1- أن اعادة هيكلة قواعد الاقتصاد السعودي وتعزيز الموارد المالية عبر تطوير بدائل جديدة للدخل لتقليل العبء على ميزانية الدولة لها علاقة قوية لتنمية الاقتصاد. فلقد حقق اقتصادنا الوطني معدلات نمو في أسوأ الأوقات وفي الوقت الذي تراجعت فيه الاقتصاديات الأخرى بعد الأزمات المتتالية التي شهدتها المنطقة. ويجمع الاقتصاديون على أهمية إعادة النظر في أداء الآلية التنفيذية في القطاع العام والتي تحتاج الى اعادة هيكلة كاملة تبنى على قانون القيمة المضافة للعمليات الادارية وللموظفين أنفسهم. إلا أنه لا يجب أن ننظر الى بعض الوظائف في القطاع العام على أنها (ضمان اجتماعي) ولابد من تجاوز مثل هذه النظرة غير الواقعية والعمل للحد من التضخم الوظيفي ومن البيروقراطية العامة والابقاء فقط على القوى العاملة التي تضيف لقيمة العمل ولقيمة المنتج أو الخدمة التي تقدمها تلك الأجهزة. رغم أن اقتصادنا يحقق معدلات نمو جيدة، لن تكتمل الصورة إلا بتحقيق التنمية الحقيقية الموازية لذلك النمو وهي التنمية التي تتجاوز مجرد الانفاق على مشروعات الى بناء قاعدي حقيقي للاقتصاد يتمثل في نقل وتوطين التقنية وخلق القدرات الوطنية الفاعلة لإدارة هذا الاقتصاد.2- المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الاجمالي حوالي 800 مليار ريال. وحقق الاقتصاد الوطني نمواً حقيقياً ايجابياً لكنه ما زال ضعيفاً، إلا ان نمو القطاع الخاص الايجابي يدفعنا الى التفاؤل بقدرة القطاع الخاص على قيادة النمو متى ما اكتملت عملية الاصلاح الاقتصادي المتعددة. ومن الواضح ان الاقتصاد السعودي قد تجاوز الآثار السلبية للأحداث التي شهدتها المنطقة، وخصوصا في الربع الأول منه.3 - سجل القطاع غير النفطي نمواً نسبته جيدة وفي هذا دلالة جيدة أخرى على متانة هذا الاقتصاد. فقد تطورت مساهمة القطاع غير النفطي مثل السياحة الداخلية، واجتذاب رؤوس أموال أجنبية مثل اتفاقية شل/توتال التي وقعتها المملكة لإستثمار الغاز الطبيعي والتي تقدر جملة استثماراتها بنحو 75 مليار ريال، وذلك عوضا عن توفير هذه الاتفاقية المهمة ذات الملامح العالمية وفي دفعة واحدة لنحو 35 ألف وظيفة مباشرة ستنشأ عن هذا العمل الذي يتوقع له ان يشكل نقلة مهمة في مجال استقطاب رأس المال الخارجي.4 - توقع ظروف أداء اقتصاد جيد إلى قوي خلال العام 2004م، فأسعار النفط ستمضي في ثباتها أو قد تزيد قليلاً، كما أن أداء القطاع الخاص غير النفطي مرشح للنهوض الى مستوى أقرب إلى 4% .5 - تجاوز سوق الأسهم مستويات تاريخية وحقق أرقاماً ومستويات جيدة كما ان مؤشرات الأسهم وأسعار الصرف مضافا اليها القوة الشرائية جميعها لم تتأثر بالأحداث العالمية أو الاقليمية. والملاحظ زيادة نشاط القطاع الخاص بوتيرة متسارعة واتضح ذلك على ربحية الشركات في الربعين الثاني والثالث من العام الحالي. كما أن السماح للأجانب بالاستثمار في سوق الأسهم المحلي من خلال صناديق الاستثمار التي تزيد على 140 صندوقا والتي تديرها المصارف التجارية سوف يحسن من صورة المملكة الاقتصادية وقد يحد من ترحيل الأموال للخارج.6 - صدور نظام الأوراق المالية بدرجة جيدة من الانضباطية والمرونة تجعل من سوق الأسهم والأوراق المالية سوقا منفتحة على المستقبل ودعامة أساسية للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، وزيادة السيولة الناشئة عن العمليات المالية الكبرى التي تتم داخل هذه السوق في زيادة مساهمتها في تحريك الاقتصاد السعودي. ورغم التذبذب الذي أصاب هذا السوق مؤخراً والذي سماه بعض المراقبين (التراجع لأجل التصحيح)، إلا أن أداء سوق الأوراق المالية قد سجل تصاعداً جيداً ولعل هذا يأتي في سياق التحسن العام لاقتصادنا الوطني. إن اقرار مشروع نظام السوق المالية المزمع تدشينه بحلول العام الجديد يأتي في اطار حزمة من الاصلاحات الهادفة لتعزيز قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وتهيئته لمواجهة التحديات القادمة. والمشروع يمثل تطوراً نوعياً لسوق الأسهم السعودية ويعزز التوجهات لتحسين بيئة الاستثمار في الأوراق المالية، كما أنه يشجع المستثمرين الأجانب على الدخول في السوق السعودية. ومن شأن وجود سوق مالية قوية ان يشجع على عودة وجذب الأموال المهاجرة الى البلاد ويحد من هروبها. 7 - التحسن الطفيف الذي شهده مستوى المعيشة وانخفاض الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة سوف ينعكس إيجابياً على الاقتصاد المحلي ولو بنسبة ضئيلة جداً.8 - إن المناخ الاستثماري في المملكة وفي قراءة سريعة للخارطة الاستثمارية الاقليمية يعد من الأفضل بينها وقد احتلت المملكة المرتبة الأولى عربيا على قائمة التدفقات النقدية الواردة الى الاقليم العربي. كما ان انحسار القلاقل الاقليمية وتوجهها نحو الاستقرار سيفيد كثيراً في عملية جذب الاستثمارات.9 - أصبح مناخنا الاستثماري أكثر جاذبية من ذي قبل بعد صدور نظام الاستثمار الأجنبي. وتشير احصائيات الهيئة العامة للاستثمار انها تمكنت منذ انشائها من منح تراخيص لأكثر من 2000 مشروع استثماري يقدر حجمه بنحو 15 بليون دولار أمريكي. ومن المتوقع ان تتجاوز قيمة الفرص الاستثمارية المتاحة في المملكة خلال العشرين عاما القادمة حسب توقعات الاقتصاديين حوالي تريليون دولار أمريكي تتوزع في قطاعات الكهرباء والمياه والاتصالات والبنية التحتية والبتروكيماويات والغاز والزراعة وسكك الحديد وتقنية المعلومات والسياحة والتعليم واستخراج المعادن. والمعروف اقتصادياً أن الاستثمارات الأجنبية تبحث عن البيئة الاستثمارية المناسبة التي ترتكز على معدل العائد وعلى الأطر التنظيمية والاجرائية. وتترقب الاستثمارات الأجنبية تحسن البيئة الاستثمارية في المملكة الآخذة في التغير الى الأفضل. وبغض النظر عن مطالبة بعض الاقتصاديين بالبدء من الداخل بدلا من البحث عن الاستثمارات الخارجية، فإن التوجه العام يهدف لتشجيع اعداد ودراسة مشاريع استثمارية جديدة يقوم القطاع الخاص بتبنيها ومن ثم عرضها على شركات اجنبية متخصصة للمساهمة فيها وتقديم التكنولوجيا التي تملكها اذا كان هذا ضرورياً. ومع كل هذا فإن الأمر يتطلب اعادة هيكلة كثير من الاجراءات الادارية في الأجهزة التنفيذية العامة واعادة صياغتها بشكل ينسجم مع ظروف ومعطيات العصر الحالي. إن هذا الأمر سوف يساعد ليس فقط على جذب الاستثمارات الأجنبية بل أيضا على حفز وتشجيع المستثمرين المحليين للاستثمار في المشاريع المتاحة في قطاعات محلية واعدة. في مجالات الغاز والتعدين. كما لابد ان يقوى الاهتمام باقتصاد الخدمات وهو من أنشط الاقتصادات نمواً الآن وفي المستقبل. وعلينا أيضا تسريع وتيرة اعادة الهيكلة والاصلاحات الجارية وهناك العديد من التحديات التي يجب ألا نغفل عنها وفي مقدمتها تنمية قدرات الشباب السعودي واعداده للاضطلاع بمسؤولياته خلال الفترة القادمة. وما نحتاجه هو ما يصاحب الاستثمارات الاجنبية, ليس بالضرورة المبالغ التي تتحول للمملكة ولكن التركيز على الخبرات واستقطابها والمعرفة والتقنية والتسويق والبحث والتطوير.10 - ان الأنظمة الجديدة المتعلقة بتناقل المنافع بين التأمينات الاجتماعية، ومعاشات التقاعد وزيادة نمو القطاع الخاص، واستقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية سيساهم في ايجاد فرص وظيفية جديدة ويسهل من حركة تنقلات العاملين وبالتالي يخفف الضغط على المصروفات الحكومية الجارية مثل الأجور والمكافآت التي تلتهم الجزء الأكبر من الميزانية.11 - إن وضع سوق العمل السعودي غير مشجع حالياً. ان سلبيات سوق العمل السعودي يمكن علاجها على المدى الطويل وذلك بخلق سوق عمل اكثر تحررا، كما ان مشكلة البطالة وموضوع السعودة تتم معالجتها في الوقت الحاضر بواسطة القوى الطبيعية لسوق العمل، والتي تتمثل في هبوط الفروق في الأجور بين العمالة السعودية وغير السعودية مع ازدياد العرض في العمالة السعودية نسبة إلى الطلب، فقد هبط متوسط أجور السعوديين في الفترة من 1995ـ 2001 بنسبة 15 في المائة بالنسبة للذكور و22 في المائة بالنسبة للاناث. وكنتيجة لذلك تقلص فارق الاجور بنسبة كبيرة كما اصبح المواطن السعودي حاليا مستعدا لقبول رواتب أدنى مقابل الحصول على العمل.12 - مازال الدين العام يشكل تحديا واضحا للاقتصاد الوطني وتظل معضلة الدين العام بحاجة الى وقفة ومحاسبة. وربما ان أهم الوسائل الناجعة في مواجهة هذه المعضلة تتمثل في اعادة النظر في المصروفات العامة وترشيدها ووضعها في اطار مهني يضمن موضوعية التخطيط وموضوعية الهدف المتمثل في خفضه الى المعدلات المعقولة. نحن بحاجة ماسة لاعادة النظر في ادارة المال العام وصولاً الى التوازن المطلوب بين مواردنا المتاحة ومصروفاتنا على مختلف القطاعات عن طريق تبني استراتيجية متوسطة المدى تعمل على التالي:@ التحكم في النفقات، بحيث لا تتجاوز النفقات الفعلية النفقات التقديرية التي تقدر في بداية كل عام بأكثر من 5%..@ تحييد النفط وعائداته عن طريق تبني أسعار نفط وانتاج منخفضين.@ التركيز على العائدات غير النفطية عن طريق تفعيل طرق التحصيل، واستهداف خفض العجز بين العائدات غير النفطية والنفقات كهدف رئيسي عند وضع الموازنة العامة.@ تبني صندوق لاستقرار أسعار النفط، لتجنب التذبذب فيها وتأثيراتها السلبية على العائدات النفطية.@ العمل على تسريع التخصيص من أجل الاستفادة من عائدات بيع الأصول الى القطاع الخاص بتسديد جزء من الدين العام مباشرة.13- نظراً للزيادة المتوقعة في أعداد السكان والتي تقدر نسبتها بنحو 3% للسنة القادمة وهي نسبة عالية، فإن من المفترض ان يزيد حجم الانفاق الحكومي وبصفة خاصة في قطاعات التعليم والصحة والخدمات الأخرى، وليس من بديل لمعالجة هذه التراكمات سوى الاسراع في برامج التخصيص بحيث تتحول ادارة المؤسسات الحكومية والتي تشكل رواتبها نحو 75% من اجمالي الموازنة العامة، الى القطاع الخاص وادارتها بأسلوب ربحي من دون أن تتأثر وضعية الموظفين لدى هذه المؤسسات. المفروض أن نسعى لتفعيل الدور الاداري والرقابي وانشاء مقومات أداء حديث يستطيع مواكبة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية. كما انه من المهم السيطرة على نفقات الرواتب وما في حكمها والتي تمثل الجزء الاكبر من المصروفات فانه كلما زاد نشاط سعودة الوظائف في القطاع الخاص قل الضغط على الوظائف الحكومية.14- علينا بتسريع الاصلاحات الاقتصادية والتنظيمية لنصبح أكثر قدرة على التفاعل مع اقتراب موعد انضمام المملكة الى منظمة التجارة العالمية. إن هذه الاصلاحات ستسرع في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية والمهاجرة. كما ان انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية يملي علينا الارتقاء بجودة المنتج السعودي الى العالمية واكتساب القدرة التنافسية المطلوبة.15- سيبقى التخصيص بمثابة أداة الدفع المهمة لاقتصادنا الوطني. المكاسب العديدة التي تتحقق من وراء هذه السياسة والتي من أهمها تقليل العبء المالي والاداري على الدولة واشراك القطاع الخاص في ادارة المؤسسات المخصصة عوضا عن الاتجاه المتنامي اقليميا وعالميا القاضي بخروج الدولة من السوق وتركه الى آليات عمل أكثر كفاءة وسرعة، كل تلك من شأنها تحسين أداء اقتصادنا الوطني. وعلى الرغم من ادراج العديد من المؤسسات في برنامج التخصيص إلا ان التنفيذ الفعلي لهذا التحول يبدو أقل مما هو متوقع، وهذا يعطي انطباعاً سالباً خصوصاً بعد الاتجاه المتنامي للانضمام الى منظمة التجارة العالمية. ويبدو اننا أغفلنا الجانب الزمني لتنفيذ برامج التخصيص بما فيها الاتصالات التي واجهت مشكلتين كبيرتين: الشريك الأجنبي والكم الكبير من الموظفين مما نتج عنه البطء في التنفيذ وتقديم خدمات متواضعة مقابل رسوم عالية.إن التحديات ستكون أكثر حدة في تخصيص الكهرباء والخطوط السعودية والقطاعات الخدمية الأخرى. لذا فإن من السابق لأوانه تقديم تقييم منصف لتجربة التخصيص في المملكة فهي في البدايات. ولعلنا ندرس كيفية تلافي سلبيات طرح اسهم ما يتم تخصيصه من مرافق فهذه مسألة فنية محضة تعتمد على كفاءة المؤسسات المالية التي تتعاقد معها الحكومة على اجرائها. 16- هناك (22) نظاماً مطروحاً على مجلس الشورى تتطلب البت فيها باسرع وقت. ولاشك ان عملية فهم هذه الانظمة واستيعابها ومن ثم تطبيقها سيؤدي الى تحقيق الايجابيات لها قبل السلبيات مما يساعد على النمو الاقتصادي العام. * عضو جمعية الاقتصاد السعودية