مكة المكرمة

د. علي شويل: وسائل الاعلام السعودية تعيش في كنف المؤسسة السياسية

يتواصل اللقاء الوطني للحوار الفكري والمقام حاليا بمكة المكرمة الذي ينظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني اليوم الثلاثاء فعاليات جلساته التي تدور تحت عنوان الغلو والاعتدال رؤية منهجية شاملة.ويبدأ الحوار بجلستين في الفترة الصباحية حول المحور الاعلامي وجلستين مسائيتين خصصت الاولى لمناقشة الاستراتيجيات والجلسة الثانية لمناقشة الصيغة الاولية للبيان.ويقدم في الجلستين الصباحية ثلاثة بحوث الاول منها الخطاب الاعلامي السعودي دراسة تحليله لتعددية الرؤى الاجتماعية يتناول فيها الباحث الدكتور علي بن شويل القرني.الدراسة في عمومها تحليل الخطاب الاعلامي السعودي من خلال قراءة الفكر وتحليل المعرفة لما تجسده وسائل الاعلام وتزخر به من عرض مواقف وطرح آراء وتبني سياسات وصياغة استنتاجات. وتحديدا تقدم الدراسة تحليلا لمدى تفاعل وسائل الاعلام - والصحافة خاصة - مع الاحداث الكبرى التي مربها العالم قبل وبعد احداث 11 سبتمبر, ومرت بها المملكة خلال الاعوام الثلاثة الماضية, وخصوصا تفاعل الاعلام مع تداعيات احداث مايو المعروفة بتفجيرات الرياض التي مثلت بداية مرحلة جديدة في التفكير السعودي على المستويات كافة.تعرضت هذه الدراسة لتحليل مضمون لصفحات الرأي في صحيفتي الرياض والوطن بشكل خاص باعتبارهما نموذجا للصحافة السعودية, وذلك للتعرف على صناعة الرأي السعودي سواء على شكل افتتاحيات صحافية, ام مقالات لكتاب الاعمدة, ام لرسائل واستجابات مقالية من طرق المسؤولين, ام عبر رسائل القراء في هاتين الصحيفتين. كما بنت الدراسة على استنتاجات اخرى لابحاث عن مختلف وسائل الاعلام السعودي خلال هذه المرحلة او في فترات زمنية سابقة.الاستنتاجات الرئيسة لتوجهات الاعلام:وتستعرض الدراسة بعض التوجهات الاعلامية التي تم استنتاجها من القراءة المنهجية للصحافة السعودية كنموذج لوسائل الاعلام الاخرى.1- من الاستنتاجات الرئيسة في هذه الدراسة ان هناك توجها عاما بين وسائل الاعلام السعودية - وبشكل خاص في الصحافة - في دعم الخطاب التجديدي في المؤسسات الاجتماعية, وقد عكست هذه الدراسة ما نسبته 95% من توجهات عامة نحو حركة التجديد في المؤسسات والفكر والممارسة والتطبيقات. وفي الاتجاه نفسه فان خطاب الوضع القائم لم يحظ بنسبة تذكر في مساحة الرأي في الصحافة السعودية, ما يدل على ان وسائل الاعلام ترجح وبنسبة طاغية التوجه الاجتماعي نحو التجديد والتطوير والتقدم في كافة مجالات الحياة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية.2- اشارت الدراسة الحالية الى ان الخطاب الذي يغلب على اتجاهات الصحافة في المملكة العربية السعودية هو خطاب ليبرالي يميل الى الانطلاق نحو الحرية وعدم التقيد في ظروف مكانية وزمانية وفي الوقت نفسه ينبغي التأكيد على ان المساحة نفسها في الرأي قد تجسدت كذلك في خطاب آخر وصفته هذه الدراسة بالخطاب الوسطي, وهو خطاب مبني على فكرة التطور وفق معادلات ثوابت العقيدة وتقاليد المجتمع. ويمكن وصف هذا التوجه بالخطاب المحافظ المعتدل. ويمكن اجمالا التأكيد على ان وسائل الاعلام السعودية في العموم يتنازعها خطابان رئيسان, هما الخطاب الليبرالي, والخطاب المحافظ بدرجات متقاربة في المساحة والابراز.3- أوضحت الدراسة الحالية ان وسائل الاعلام المطبوعة المتمثلة في الصحافة, ماتزال تعيش في كنف المؤسسات السياسية, وهذا ينعكس بشكل مباشر في كون المرجعيات التي تحيل هذه المضامين في الصحافة السعودية عادة ما تكون الى المؤسسة السياسية في الدولة. وهذا يمكن فهمه في سياق ان عمليات التغيير والتطور التي تنادي بها وسائل الاعلام تحال على شكل رؤية وتوصيات وافكار واقتراحات موجهة الى المؤسسة السياسية, حيث ان المجتمع السعودي الذي يمثل مجتمعا تنمويا ناشئا يعتمد كثيرا على وصاية المؤسسة السياسية على مختلف اوجه الحياة وانماط التفكير الاجتماعي, ولهذا لم يكن غريبا ان تكون هذه الاحالات الى هذه المؤسسة, رغم وجود مؤسسات مجتمعية اخرى يمكن ان تكون مؤئلا لمثل هذه الاحالات المرجعية.الاستنتاجات الخاصة باحداث مايو:من النتائج الخاصة التي افرزتها هذه الدراسة المقارنات بين التغطيات المقالية لفترة ما قبل مايو (التي تمثل بداية ما يمكن وصفه بالارهاب الداخلي) وفترة ما بعد هذا التاريخ الذي يمثل تداعيات هذه الاحداث في المجتمع السعودي. وقد اشارت هذه النتائج الى الملاحظات التالية:1- نمو ماتزايد في الحالات المرجعية نحو المؤسسات الدينية بعد احداث ما يو مقارنة بما قبلها وعلى الرغم من كون هذه الاحالات محدودة في مجملها, الا انها تعد مؤشرا مهما في هذا الخصوص.2- انخفاض ملفت في الاحالات المرجعية نحو المؤسسة السياسية, فقد كانت حوالي 55% قبل احداث مايو الا انها انخفضت الى حوالي 34% بعد بداية هذه الاحداث. وجاء هذا نتيجة تنوع الاحالات الى مؤسسات مجتمعية اخرى مثل المؤسسات الاقتصادية والمؤسسات الاعلامية وغيرها من المؤسسات الاخرى.3- لم تشر نتائج الدراسة الى اختلاف يذكر بين الفترتين المشار اليهما بخصوص الخطاب التجديدي وخطاب الوضع القائم, فقد ظلت الامور كما هي عليه خلال فترتي الدراسة التي امتدت خلال السنوات الثلاث الماضية, اي منذ شهر سبتمبر عام 2000م.4- فيما يتعلق بانواع الخطاب, اشارت الدراسة الى ان الخطابين الليبرالي والوسطي ظلا مسيطرين على الخطاب الاعلامي قبل احداث مايو وبعدها, الا ان هناك فروقات بسيطة, حيث شهد الخطاب الليبرالي زيادة بنسبة ثلاثة في المائة في فترة ما بعد الاحداث مقارنة بما كان عليه قبل هذه الاحداث. واشارت النتائج الى ظهور محدود للخطاب المتطرف ولكن لم تصل في افضل الاحوال عن اثنين في المائة من مجمل التكرار الخطابي في عينة الدراسة على الصحافة السعودية.كما شهد الخطاب الوسطي انخفاضا بنسبة خمسة في المائة بعد احداث مايو ولاتستطيع القول ان الخطاب الوسطي في تراجع بينما الخطاب الليبرالي في ازدياد.5- من الملاحظ ان الحالة النقدية التي يمكن استنتاجها من نتائج الدراسة الحالية بخصوص المقارنات الزمنية تشير الى ان زيادة ملحوظة في اجمالي المقالات النقدية بعد احداث مايو, ولكن الملفت للنظر في ضوء هذه النتيجة ان النقد الموجه الى شخصيات قد تضاعف تقريبا بعد الاحداث وكذلك زادت تكرارات النقد المؤسسي, بينما انخفضت تكرارات النقد الموجه الى الدولة بعد احداث مايو.6- ومن اهم النتائج التي اشارت اليها تحليلات مضمون الرأي في الصحافة السعودية ان مجمل الرأي المحلي قد انخفض بنسبة حادة من اكثر من خمسين في المائة الى حوالي 22% بعد احداث مايو. وشهدت الدراسة في المقابل زيادة في نسبة التغطيات المقالية في المجالات الخارجية سواء عربيا ام اسلاميا ام دوليا. وهذه نتيجة مهمة قد نستدل منها الى ان افضل طريقة للخروج من حساسية الوضع الداخلي هو الهروب الى الخارج. وقد يعكس هذا انحسارا في هامش حرية التعاطي مع الحدث المحلي, مما يؤدي الى تناول الاحداث الخارجية.7- ربما يعد تاريخ احداث مايو حدثا فارقا بين نوعين من التغطيات الاعلامية بخصوص القضايا الداخلية, فقد تضاعف الاهتمام بقضايا المرأة ثلاث مرات بعد احداث مايو, وتضاعفت كذلك نسبة الاهتمام بموضوعات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكذلك موضوع البطالة. وفي المقابل انخفضت نسبة الاهتمام بالمشكلات الخدمية والتنموية الى حوالي ثلث حجم الاهتمام بهذه الموضوعات قبل احداث مايو. اما بخصوص القضايا الخارجية. فقد انخفضت تكرارات الرأي في قضايا 11 سبتمبر وما تلاها من حرب افغانستان من 25% الى عشرة في المائة. وانخفضت التغطيات المقابلة لحرب العراق من 18% الى خمسة في المائة, بينما ارتفعت نسبة التناول المقالي لاحداث فلسطين من 57% الى 85% ما يعكس بكل تأكيد اهتماما ثابتا في الاعلام السعودي بقضية فلسطين والصحافة بشكل خاص.والبحث الثاني للاستاذ زين العابدين الركابي (هل هناك منهجية اعلامية واضحة لمعالجة ظاهرة الغلو؟) وكان للباحث فيها رؤى واجوبة متعددة وانهى بحثه الى توصيتين والجواب الاول كان عن سؤال:هل هناك منهجية اعلامية واضحة لمعالجة ظاهرة الغلو؟ كان الجواب المختصر هو: لا يوجد منهج او منهجية اعلامية واضحة بالمفهوم العلمي والتخطيطي لمعالجة ظاهرة الغلو ولقد استثنى من النفي تلك الجهود الفكرية والاعلامية الجيدة التي تبتغي معالجة هذه الظاهرة ولكنها لا ترقى ـ بسبب تفرقها ـ الى مرتبة المنهجية الواضحة المطردة التي قصد اليها السؤال عنوان البحث ومن المقدر عندما يتضح المنهج ان تتناغم هذه الجهود وتنتظم فيه.يتحرى هذا البحث ايجاد منهجية فكرية اعلامية واضحة ومتكاملة وموجز هذه المنهجية:اولا ـ تصور الظاهرة وتكييفها بحسبان ان صحة التصور هي مبتدأ التعامل مع كل ظاهرة او مشكلة او قضية وخلاصة تصور الظاهرة هي مجموعة تصورات خاطئة عززت بمفاهيم اسلامية مؤولة تأويلا فاسدا وقد انبنى على هذه التصورات والمفاهيم افعال شريرة واجرامية.ثانيا ـ ضرورة (زلزلة اليقين بهذه المفاهيم الخاطئة) فلن ينفك الغلاة عن هذه المفاهيم حتى تقع زلزلة فكرية في داخل عقولهم ولهذه الزلزة الواجبة ركيزتان معرفة باطلهم بوضوح اذ ان معرفة الباطل قاعدة صحيحة وضرورية لنقضه اما الركيزة الاخرى فهي: معرفة الحق الذي به ينقض الباطل لان نقض الحق او غموضه او ضعف حجته ذريعة الى تقوية الباطل.ثالثا ـ نقض الانحراف بالدين: بالاسلام الحق فالغلو اما ينقص بغلو مثله يتمثل في التساهل في الدين والتفريط في ثوابته وعزائمه. وهذا خدمة للغلو لا نقض له واما ان ينقض الغلو بالالحاد.. واما ان ينقض الانحراف بالدين بالاسلام الحق وهذا هو الخيار المعقول والمشروع والعملي.رابعا ـ الفصل الحاسم ـ في الفهم والمعالجة ـ بين انواع الغلو فالغلاة ليسوا سواء، فهناك الغالي المحصور غلوه في ذاته: يتشدد ويتنطع ويقسو على نفسه وهناك الغالي الذي يدعو غيره الى الغلو.. ولكن كليهما لا يعنف بمعنى انهما لا يحملان السلاح والتعامل مع هذين النوعين يكون بالتبصير بمنهج اليسر وتكثيف الاعلام الموجه اليهما تكثيفا متصلا يحمل مضامين الاسلام في النأي عن التشدد وتحميل النفس مالا تطيق.. ولهؤلاء ان يعبروا عن آرائهم بشروط ثلاثة: الا يكفروا غيرهم والا يحملوا السلاح والا يكونوا ردءا للذين يحملون السلاح.اما النوع الثالث فهو الذي يحمل السلاح والتعامل مع هذا النوع يكون بالاجراءات الامنية ـ التي لا تدخل في نطاق هذا البحث ـ ويكون بالردع الفكري الاعلامي الذي لا مجاملة فيه ولا معاذير ولا فتور.خامسا ـ اقتران النقد والنقض بجرعات مشبعة ومروية من الامل والرجاء وفرص النهوض والاستبشار فالذين اجتالهم او لوثهم الفكر الغالي هم سعوديون من ابناء الوطن ولا مصلحة للبلاد في ان تطول فجيعة اهليهم وبلادهم فيهم ولا مصلحة ولا مسرة في ان يهلكوا في تفجير او مواجهة او يموتون على خطيئة.سادسا ـ التصوير او التناول الموضوعي للظاهرة اي دون تقليل من حجم الظاهرة واثرها ودون تهويل في ذلك يولد انطباعا بان 90 او 80 بالمائة من السعوديين غلاة.سابعا ـ تفجير نهضة علمية وفكرية شاملة كاملة عمادها (تأصيل مفهوم الاعتدال ونشره في اوسع نطاق) حتى يكون سيد المفاهيم ومنبعها وقائدها وهاديها.. تأصيل هذا المفهوم بحسبانه مفهوما (كونيا ودينيا وعلميا واجتماعيا وسياسيا) لا ينتظم ولا تصح حياة الناس ولا تدينهم الا به.ثامنا: احياء (العقلية النقدية) فيما يتعلق بالافكار والمسالك الدينية، وذلك لئلا يقر المخطئون على خطئهم.. ولئلا تربط اخطاؤهم بالاسلام فتكون فتنة.تاسعا: الكف الاعلامي الارادي المستنير والحصيف عن تصوير المجتمع والدولة في (صورة ملائكية) فهذا الغلو ينشئ غلوا مضادا ـ كرد فعل ـ فالسعوديون ـ حكاما ومحكومين ـ بشر ممن خلق الله، يصيبون ويخطئون، وحسب السعوديين: ان يكون المعيار باقيا، والمنار قائما لتقويم، المسيرة العامة ونقدها بصفة دورية، وسبب الكف عن الصورة الملائكية هو ان هذه الصورة تحدث فجوة هائلة بين الواقع والمثال، وهذه الفجوة تحدث هزة نفسية ـ اضطرابا شديدا ـ يستغله المرجفون الغلاة ويوظفونه في خدمة برنامجهم المرتكز ـ في الاساس ـ على المقارنة بين مثال خيالي وبين الواقع الموجود، مع ما في هذه المقارنة من مفارقات وايحاءات تثير الاستفزاز والاحباط.عاشرا: النظر الى الغلو بـ (عيون سعودية) ـ وهي عيون مسلمة بطبيعة الحال ـ لا بعيون خارجية او اجنبية، ذلك ان استعارة عيون اجنبية يقضي ـ بالاضطرار ـ الى استعارة المعلومات المغلوطة، والتفسيرات غير النزيهة، والنقد الهدام الذي تنظر تلك العيون من خلاله الى ما يجري في المملكة، فيما يتعلق بظاهرة الغلو وتداعياتها ـ ويلحظ ـ ها هنا ـ ان الغلاة يقيسون بلدهم على بلدان اخرى ـ على الرغم من وجود فروق كبيرة، ويحكمون عليه من ثم بالحكم ذاته ثم يحاربونه بموجب هذا الحكم.حادي عشر: رفع استعداد الناس وتهيئتهم للتكيف السوي مع التطورات العصرية المتلاحقة في العلوم والتقنيات والاتصالات والافكار والعلاقات.. الخ، لان ضعف الاستعداد للتكيف السوي مع هذه التطورات المذهلة في ايقاعها وسرعتها، يصيب الناس برجات فكرية ونفسية صاعقة او صادمة، وحين تقع الرجات تضطرب النفوس والعقول، وبتأثير من ذلك، يغدو الناس اشتاتا، ويكون منهم من يقوم برد فعل مثقل بالغلو والعنف: كمقاومة سلبية بائسة لهذه التطورات.ثاني عشر: الاطراد الزمني، ويعني طول النفس، والانتظام، والمثابرة في تناول ظاهرة الغلو وعلاجها: فالاطراد الزمني هو البديل العلمي والعملي والواقعي للمعالجات الموسمية المتقطعة التي لا تظهر الا اذا ارتفع صوت الغلو، وتفجر عنفه.وقد انتهى البحث الى توصيتين:1ـ التوصية الاولى: وضع استراتيجية فكرية اعلامية واضحة في ضوء مفاهيم البحث ـ ونظائرها ـ.2ـ التوصية الثانية: تكوين فريق وطني ـ متكامل التخصصات والتمثيل ـ يعهد اليه برسم هذه الاستراتيجية، وفق مدى زمني محدد سقفه الاعلى.الحوار الوطنيوالبحث الثالث للدكتور احمد بن نافع المورعي الحربي تركز حول حرية الرأي والتعبير في وسائل الاعلام واثرها على، فكر الغلو والتطرف.تطرق فيه الدكتور احمد المورعي عن معاناة المجتمعات العربية والاسلامية من غياب وتهميش حرية الاراء وقال لقد عانت المجتمعات العربية والاسلامية طويلا من غياب او تهميش حرية الراي والتعبير حتى اضحت الشمولية والاحادية والتبرم بالرأي الآخر وان تفاوتت الدول والانظمة فيما بينها من الخصائص التي اتصفت بها الامة الاسلامية في عالمنا المعاصر ولسنا بصدد استقصاء اسباب هذا الوضع المؤسف ومظاهرة اذ انها تحتاج الى بحث اخر مواز يوفيها حقها بالبحث والتحليل والدراسة والخروج بالتوصيات الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة السلبية في مجتمعاتنا.الا ان الاونة الاخير شهدت طفرة في الاتجاه المعاكس، فانعكست انفلاتا في حرية التعبير ولم تكن تلك الطفرة افرازا لتحولات ايديولوجية او استجابة لمطالب شعبية او نتاجا لتعديلات تشريعية بل فرضتها على مجتمعاتنا افرازات التقنية الحديثة التي اصطلح على تسميتها بالثورات الست، التي وفرت مساحات غير محدودة لطرح الافكار وتبادل الاراء وقد تواكبت تلك التطورات مع ضغوط القوى المتنفذة في عالمنا على حكومات العالم الثالث لفتح مجالات اكبر للحرية فوجدت تلك الحكومات الفرصة للاستجابة الجزئية لتلك الضغوط مما يمثل في المقابل تنفيسا للمشاعر المكبوتة لدى الشعوب.وهكذا وجدنا انفسنا امام فوضى فكرية تنذر بعواقب وخيمة تهدد الامن والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية في مجتمعاتنا.ويأتي هذا البحث ليناقش احدى الجزئيات التي اصابتها شظايا هذا الانفلات الفكري والذي يؤدي ـ على غير رغبة نافخي ناره ـ الى اذكاء الفتنة وتغذية فكر الغلو والتطرف لدى الشباب الذين لاذوا برحاب الدين الحنيف فرارا من واقع قاتم ومستقبل غامض ونظريات اثبتت بجدارة فشلها في قيادة مجتمعاتنا باتجاه النهضة والتنمية والتحرر الوطني: لذا فان المساس بالمقدسات الدينية يمثل استفزازا لمشاعرهم واستنفارا لعداوتهم خاصة اذا افتقرت الاراء المخالفة الى الحكمة والموضوعية والدقة العلمية او انزلقت الى مهاوي الاسفاف والانحطاط كما هو مشاهد الان وللاسف من بعض ادعياء الليبرالية والعلمانية الذين دفعتهم الرغبة في مناهضة الصحوة الاسلامية الى ادارة ظهورهم لاهم مبادئهم الداعية للتعددية والديمقراطية وقبول الاخر!كما يمثل البحث مساهمة ومحاولة لعلاج قضية فكرية معاصرة ابتليت بها الامة الاسلامية منذ امد بعيد ولم تجد لها فكاكا بل اشتدت وطأتها واستحكمت حلقاتها على الامة في العصر الراهن وهي آفة الاستبداد بالرأي وتفرق الافكار المؤدي الى الخلاف والاختلاف المذموم.ايها الاخوة، ان من اهم الموازنات الصعبة التي ابتليت بها الامة ضرورة المحافظة على وحدة الامة في ظل الممارسة الكاملة لحرية الرأي والتعبير عنه فوحدة الامة ضرورة وواجب يفرضه الاسلام على ابنائه وحق ابداء الرأي هو ضرورة ايضا بل يصبح واجبا في كثير من المواقع ياثم المؤمن بكتمانة وعدم ابدائه للناس وقد جعل الله تبارك وتعالى آية الرأي بين ايتين من آيات وحدة الامة فقال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ال عمران 103، ثم قال (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون على المنكر وأولئك هم المفلحون) العمران 104 ثم اعقب هذا الامر الالهي بالوحدة واشاعة حرية الرأي بين الناس بالتحذير من الفرقة والاختلاف فقال (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) ال عمران 105، هذا الربط بين الامرين يبدو انه مقصد من مقاصد القرآن الكريم حيث لا صلاح لاحدهما دون الاخر ولكن المتبادر الى الذهن هو ان الرأي مهما يكن المنطلق الشرعي له موحدا بين المسلمين: فان اختلاف المعطيات التي يبنى عليها الرأي واختلاف الانظار يفضي الى اختلاف النتائج والمواقف فالرأي يفضي الى الفرقة من هذه الزاوية والوحدة نقيض الفرقة فكيف يجتمعان؟!الاجابة عن هذا التساؤل تشكل تحديا حقيقيا امام الاجيال اليوم وغدا وربما بعد غد ولعل هذا البحث يتصدى باذن الله لجوانب من هذا التحدي، انطلاقا من المنهج القرآني، وفي كل الاحوال ينطلق البحث من فرضية مفادها: ان وحدة الامة ونهضتها مرهونة باطلاق حرية الرأي وشيوعها في الامة، سائلين الله ان يلهمنا جميعا رشدنا ويحفظ علينا ديننا ويديم على ربوعنا نعمة الامن والوئام.. اللهم آمين.ايها الاخوة لا تقدم ولا تنمية بدون حرية ولا حرية بدون مسئولية ولا خطر على الحرية اشد من سوء استخدامهاولا ضمانة لاستمرارها افضل من ضوابطها، بهذه الكلمات بدأت مقدمة البحث التي تعبر عن مضمونه حيث يهدف البحث الى تسليط الاضواء على امرين: اولهما حرية الرأي، وحق التعبير في الاسلام، وثانيهما الاستخدام الجائر لحرية الرأي وحق التعبير مما يترتب عليه تغذية فكر الغلو والتطرف وتسعى الدراسة لاستقصاء الضوابط التي تحمي حرية الرأي والتعبير وتحول دون استخدامها بشكل يسيء الى المجتمع وثوابته.وتكمن اهمية تناول موضوع حرية الرأي والتعبير واثرها على فكر الغلو والتطرف في ان هذ االفكر اصبح الان مصدر قلق للمجتمعات وتهديدا لسلامتها فضلا عن مخالفته للمنهج القويم للدين الحنيف، لذا ينبغي السعي لحصر كل مسبباته ومحاصرته لتضييق التربة الخصبة لنمو هذا الفكر واهمية الموضوع تكمن ايضا في رفع شبهة اتهام الاسلام بالحد من حرية الرأي والتعبير بل ان الاسلام وضع لها الضوابط المنظمة، وكانت منهجية الدراسة تعتمد على المنهج التحليلي النقدي ضمن عناصر الدراسة التالية:1ـ استعراض موقف القرآن والشريعة الاسلامية من حرية الرأي وحق التعبير.2ـ الاشارة الى بعض ما ورد في المواثيق الدولية والقوانين حول هذه الحقوق.3ـ عرض نماذج من الاراء المنشودة وتحمل اراء تغذي فكر الغلو والتطرف.4ـ استطلاع اراء بعض العلماء والاكاديميين والاعلاميين حول القضية.5ـ طرح توصيات تتضمن النتائج والضوابط والبرامج العملية.