صحيفة اليوم

سوسن الشاعر

(ياللعجب استطاع شيشرون ان ينبغ في الخطابة بعد ديموستين, واستطاع فرجيل ان يقرض الشعر بعد هوميروس, فهل قدر علينا الا نكتب بعد العرب؟ لقد ادركنا الاغريق وجميع الشعوب وسبقناها في بعض الاحيان ماعدا العرب, فياللحماقة؟ وياللجهل, ويا للعبقرية الايطالية الخامدة) شاعر ايطاليا العظيم بترارك في الفترة الزمنية (1304 -1374)مظاهر انبهار اوروبا الغربية بالعرب لا حصر لها في الفترة مابين القرن العاشر حتى القرن الخامس عشر, قلدوهم في عمرانهم في نظم حياتهم, نقلوا عنهم وترجموا وتعاملوا مع نتاجهم الفكري وكأنهم يتعاملون مع كنوز, ومن قرأ او شاهد فيلم (نستراداموس) الطبيب والمتنبئ الشهير الذي تداول العالم نبؤته ايام الحادي عشر من سبتمبر سيرى كيف كان هذا العالم الايطالي يمسك بكتب ابن رشد وابن حزم وكأنها ما تبقى له من هذه الحياة خوفا عليها من الحرق هو وزوجته الايطالية التي كانت تقرأ العربية وتتذاكر الشعر العربي بانبهار واعتزاز بثقافتها العالية!!الداعي لهذه المقدمة هو تذكيرنا بظاهرة طبيعية جدا نسيناها تماما رغم تكرارها على مدى التاريخ البشري كله, هذه الظاهرة هي سيادة النموذج الناجح وتقليد الآخرين له بدافع الانبهار وبدافع السير في ذات الاتجاه والوصول له, منذ الحضارة الاغريقية الى الرومانية الى العربية الاسلامية, كان انبهار الشعوب بالنموذج الناجح سمة من سماتها رغم صراع تلك الشعوب للحفاظ على هويتها وثقافتها الا ان ذلك لم (يردعها) عن الانبهار والتقليد, قس على ذلك شرق العالم وغربه.ثم لم نذهب بعيدا في التاريخ, ولا داعي للاستفزاز بالتذكير بنماذج غربية تستثير نخوة البعض وغيرتهم! فلنحصر الظاهرة في دائرة اصغر بكثير من دائرة الشرق والغرب, فلنحصرها في خليجنا العربي, ونرى النموذج الاماراتي كيف اصبح نموذجا يقتدى ويقلد بفخر واعتزاز من بقية شبابنا الخليجي, فهو يقلده في لفة الغترة الاماراتية (الحمدانية) ويمسك عصي الخيزران مثله, ثم هذا الهوس الفني بالاغنية الاماراتية السائدة في كل شريط غنائي سواء كان كويتيا او سعوديا او قطريا او بحرينيا, انه الشغف والانبهار بالنموذج الناجح, فنجاح الامارات واسمها المتداول عالميا اليوم كمركز سياحي وتجاري واستثماري ورياضي وعمراني وفني هو ما دفع بشبابنا الخليجي لتقليد النموذج الاماراتي.القصد بغض النظر عن هوية النجاح وبغض النظر عن مجال النجاح الا انه يفرض نفسه كنموذج يبهر الآخرين ويدفعهم لتقليده رغما عن انف الرافضين والمقاومين, الذين عليهم ان يحرضوا شبابنا على النجاح اكثر مما يحذرونهم من التقليد, فنمور آسيا بدأت تصنيعها بتقليد النماذج الناجحة مستغله انبهار العالم بها, والآن دول اخرى تحاول تقليد النمور الآسيوية واتخاذها نموذجا يحتذى.ليس علينا بث الرعب في نفوس شبابنا من الغرب هكذا بالمطلق, وكأنه مرض قاتل, واستنفار قوى البغض والكره والعداء تجاهه وتجاه شعوبه, فمن نتاج هذا الغرب نحن نأكل ونشرب ونلبس ونقرأ ونتواصل, لا داعي لحرقه في اذهان شبابنا مثلما حرقت محاكم التفتيش نتاجنا الفكري, ولولا بعض من الاوروبيين بعيدي النظر ونخبة ذلك العصر من المثقفين الذين احتفظوا بذلك النتاج وجازفوا بحياتهم من اجل ذلك لما استطاع العالم ان يستفيد منه ويتخذه ركيزة لانطلاقة عصر النهضة الاوروبي.وللحديث بقية ..