د. مشاري عبد الله النعيم

قمة الأرض وعمارة المستقبل

لعل قمة الأرض المنعقدة مؤخراً في جوهانسبرج تطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل الإنسان على الأرض، فلم يعد هناك مجال للتراخي والتسويف في العمد من أجل إنقاذ الأرض من المشاكل البيئية التي تمثل كارثة حقيقة تهدد وجود الإنسان. ومنذ القمة الأولى التي انعقدت في ريودي جانيرو عام 1992م والذي أكدت المملكة العربية السعودية في جدول أعماله، والموافق عليه من المقام السامي بقرار مجلس الوزراء رقم 78 وتاريخ 3/7/1415هـ ، على الاستفادة من الموارد الطبيعية للمملكة واستخدامها لتلبية احتياجاتها الحالية دون التأثير على قدرة ومقدرة الأجيال القادمة وحقوقها في الوفاء باحتياجاتها من هذه الموارد. فنص المادة (32) من النظام الأساسي للحكم يؤكد على أن تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث، لذلك فقد اتبعت المملكة مبدأ السياسة الوقائية التي تقوم على تحسب الأضرار البيئية المتوقعة والعمل على درئها وتلافي وقوع التدهور والاستنزاف لقاعدة الموارد الطبيعية. لعلنا هنا نتذكر معرض هانوفر 2000 الذي تحولت فيه فكرة كوننا بشرا، إذا ما عملنا كيد واحدة، يمكننا تشكيل المستقبل وفق ما نرغب، إلى عمل حقيقي يسعى إلى صناعة عمارة واعية تقنياً وثقافياً. فمن شعاره ( الإنسان- الطبيعة- التقنية: بزوغ عالم جديد) يضع معرض هانوفر الفرص والمخاطر التي فرضتها التطورات التقنية المعاصرة على طاولة البحث ويشد انتباه المعماريين وصناع القرار ومنتجي المواد إلي مخاطر حقيقية يعاني وسيعاني منها الإنسان إذا لم تتحول سلوكياتنا السلبية تجاه البيئة والطبيعة إلى سلوكيات إيجابية شفافة. انها دعوة للتوازن فنحن البشر نواجه مأزقا حقيقيا يتمثل في استمرار وجودنا فوق الأرض، فالمعرض يطرح تساؤلا عميقا ومدويا هو: ما الداعي إلي التنافس على الإنتاج إذا كنا لسنا محتاجين إلى هذا الكم المهول من المواد المنتجة؟ إذن يمكن أن ننظر لمعرض هانوفر على أنه مراجعة لميراث الثورة الصناعية منذ منتصف القرن الثامن عشر وآثاره المتزايدة والمدمرة على كوكب الأرض انه مراجعة لأسلوب التصنيع والبناء للتقريب بين الرغبة في نمو الاقتصاد والمحافظة على الطبيعة فأعداد البشر على الأرض في تزايد مستمر والموارد في تناقص مستمر وما لم يكن هناك فكر مستنير لإدارة هذه الموارد فسيكون هناك تنافس كبير على الموارد وسيكون نصيب الفرد منها أقل بكثير مما هو عليه الآن. لقد عمق المعرض في أذهاننا المخاطر التي آثارتها التجربة التي أجريت فيما بين 1991 و1993 عندما قام فريق من العلماء باجراء تجربة سموها المحيط الحيوي (بايوسفير) التي حاولت اختبار مدى إمكانية أن يعيش ثمانية من البشر داخل بيت زجاجي مساحته هكتار ونصف مع استنساخ نفس التنوع الموجود في النظام البيئي. وخلال فترة زمنية وجيزة بدأت نوعية الهواء في التدهور داخل البيت الزجاجي، لقد أنفق على هذا النظام البيئي مائتا مليون دولار ولم يصمد أكثر من أربعة وعشرين شهرا لكي يبقى ثمانية أشخاص على قيد الحياة، بينما المحيط الحيوي للأرض يصنع الشروط الملائمة لحياة ستة بلايين من البشر كل يوم دون أن يكلفنا أي شيء.من هذه المخاطر المحيطة بنا، يحاول هانوفر 2000 أن يمد الجسور بين الأنظمة الحضرية والأنظمة البيئية المعقدة التي تتميز بأن وظائفها تعتمد على بعضها البعض وعلى التعاقب في الأحداث التاريخية والصلات الفراغية والهيكل غير الخطي فالتشابع بين النظام الحضري وبين النظام البيئي يوحي بإمكانية إيجاد علاقات وثيقة بين النظامين قد تمكننا من التفوق على المخاطر التي تحيق بكوكبنا. فالايكولوجيون والمخططون لديهم إمكانية كبيرة أن يتعلم كل منهم من الآخر وبما أن الإيكولوجيا هي علاقة الكائنات الحية مع بيئتها الطبيعية فكذلك التخطيط يعتني بالتفاعل بين الإنسان وبين المحيط الذي هو جزء منه ولفهم هذه العلاقة العميقة يجب أن نفهم أن التشابه ليس جزئيا أو تشابها في العمليات المنتجة لكلا النظامين، ولكنه تشابه جوهري وهذا يمكن أن نراه عن طريق أربعة أمور أولها أن كلا النظامين الحضري والايكولوجي أنظمة حقيقية تؤدي وظيفتها نتيجة لتفاعل أجزائها مع بعضها البعض، والثاني أن المدن مثل النظام الايكولوجي لها تاريخ فالمدن الحديثة في أمريكا إلى حد ما هي نتيجة لتاريخ الثورة الصناعية،والثالث هو أن النظام الحضري له خصائص وتفاعلات فراغية ذات أهمية كبرى فكما أن المدينة تتشكل عن طريق الأحداث عبر الزمن كذلك هي تتأثر بهذه الأحداث وأخيراً الهيكل غير الخطي الموجود في الأنظمة البيئية موجود في الأنظمة الحضرية.هذا ما حاول هانوفر 2000 أن يقدمه للعالم انه يسعى لكي يقدم إجابات عن الأسئلة المستقبلية التي أثارتها الأجندة 21 لبرنامج العمل للقرن الواحد والعشرين الذي اتفق عليه في قمة الأرض الذي عقد في ريو دي جانيرو عام 1992م،والتي تركز على فكرة التنمية المستديمة والتي تعني التوافق بين الأداء الاقتصادي والمسئولية الاجتماعية وسلوكيات المحافظة على الموارد. على هذا الأساس يمكن أن نرى المعرض كورشة عالمية لأفكار، مقدمة من 53 دولة ومنظمة،تتعامل مع مشاكل مستقبلية معقدة، انه يطرح رؤى استشرافية للعمل في عالم تعوزه وفرة الموارد. بهذه الرؤية يحاول معرض هانوفر أن يربط البيئة والطبيعة مع النمو الاقتصادي العالمي كما أن المعرض يتطلع إلى الاستفادة القصوى من التطورات العلمية في العلوم والطب والهندسة لإسعاد أكبر قدر ممكن من البشر.من الناحية المعمارية ارتكز تصميم وتخطيط المعرض على فكرة الاستدامة وتدوير المواد الإنشائية كما أنه لم يغفل الربط بين العنصر المادي المعماري وبين العنصر الطبيعي وتمثل ذلك في ربط قاعات المعرض، التي انتشرت على مساحة 170 هكتارا وقام بتخطيطها المعماري والمخطط الألماني (ألبرت سيبير)، بخمس حدائق زرعت فيها حوالي 30000 (ثلاثون ألف) شتلة وشجرة فقد قام منسق المواقع السويسري (ديتر كيناست) بتصميم الحدائق الموجودة في القسم الشمالي- الشرقي وهو القسم القائم من المركز التجاري (100هكتار) بينما أسند تصميم الحدائق في الأجزاء الجنوبية-الغربية التي أضيف للمعرض (70 هكتارا) إلى منسق المواقع الجزائري كامل لوفي والذي يقيم في برلين. لقد تحدثت المفوضة العامة للمعرض السيدة (بيرجيت برويل) عن الكيفية التي تبنى فيها المعرض فكرة التنمية المستديمة فقد قالت ان منظمي المعرض وضعوا في اعتبارهم أنه يجب أن لا يتركوا وراءهم أي مخلفات أو خرائب فقد قام أحد الشركاء ببناء محطة تدوير للنفايات بالقرب من المعرض، كما أن 70% من الزوار سوف يستخدمون المواصلات العامة وهذا أمر مهم للتقليل من التلوث، والأهم هو أن فكرة التنمية المستديمة كانت المعيار الرئيس في عملية اختيار المشاريع التي عرضت في المعرض. لقد هدف المعرض إلى طرح أفكار عملية تجعل الزوار يشاهدون بعض عناصر التنمية المستديمة في حياتهم الخاصة من خلال المشاريع المعروضة من مختلف أنحاء العالم والتي يفترض فيها أن تقدم حلولا محلية لتحديات كونية لذلك فقد تحولت قاعة الأفكار في المعرض إلى قاعة شبه أكاديمية من خلال المشروعات التي تناولت أحد عشر موضوعاً تهم مستقبل الإنسان على وجه الأرض. تبدأ المواضيع بالإنسان وتطرح سؤالا هاما هو إلى أي اتجاه سوف تتطور مجتمعاتنا في المستقبل؟ وتأتي البيئة كأحد أهم موضوعات المعرض، فالمحافظة على الموارد الطبيعية أصبحت تحديا عالميا، فمن أجل مستقبل آمن للإنسان على الأرض يجب تطوير استراتيجيات للمحافظة على تلك الموارد.والموضوع الثالث الذي ركز عليه العرض هو الحاجات الأساسية فالهواء والماء والغذاء والمأوى تمثل الحاجات الأساسية ثم تأتي بعد ذلك الحاجات الجمالية والرمزية. كما أن التغذية تعتبر مشكلة يعاني منها الإنسان، فالسؤال الملح هو كيف يمكن توفير الطعام الكافي لكل سكان الأرض باستخدام الموارد الموجودة دون استنزاف لها، أما الطاقة فقد احتلت مكاناً خاصاً في المعرض فنحن ندفع الثمن غالياً مقابل حاجتنا للإضاءة والتهوية والحركة، فالتغيرات المناخية وتلوث الهواء والإشعاعات النووية واستنزاف البيئة الطبيعية سلوك عام ناتج مباشرة عن أسلوبنا المعاصر في استهلاك الطاقة. وتأتي الصحة كأحد المواضيع التي يثير المعرض أسئلة مستقبلية حولها فهل الطب والعلاج سيكون متاحا للجميع في المستقبل؟ والمعرفة هي عبارة عن المعلومات زائد الاتصالات وهي أحد الموضوعات الهامة في عصر العولمة والتي كان لابد لمعرض هانوفر أن يتطرق لها ليقدم أفكارا مستقبلية لمفهوم القرية الأرضية. كما أن العمل وطبيعته المتغيرة في وقتنا الحاضر والتي بالضرورة سوف تتغير وظيفة العمارة تبعاً لذلك، إذ أنه لم تعد أشكال العمل التقليدية صالحة فقد بدأ عصر الأشكال المتحركة للعمل فما هو مستقبل العمل وكيف سيؤثر على مفهوم التحضر والمدنية. أما الحركة فقد اثار المعرض سؤالاً هاماً حولها فهل ستكون آمنة وعقلانية وهل ستكون متوافقة مع النظم الطبيعية. وقد أتى آخر موضوعين في المعرض كملخص للتحديات التي يواجهها الإنسان على كوكب الأرض، فكوكب التصورات والقرن الواحد والعشرين موضوعان يعرضان تصورات مستقبلية لأسلوب التعامل الأمثل مع البيئة ومواردها في القرن الواحد والعشرين.ان المواضيع المتعددة التي تطرق لها معرض هانوفر تعمق مفهوم العمارة المستديمة وتجعلها الخيار الوحيد أمام المعماريين، بل انها تتجاوز ذلك إلى ربط مفهوم الاستدامة بآلية التحضر- عمارة الأرض- بشكل عام من خلال إعادة بناء الصورة بوضوح للأنظمة الحياتية التي ترسم صورة الإنسان المعاصر. فهناك ثلاثة أنظمة رئيسية، وهي النظام الحيوي، والنظام التقني، والنظام الاجتماعي والاقتصادي، هذه الأنظمة الثلاثة تتفاعل مع بعضها البعض وتتداخل بشكل مركب مما يتيح للإنسان أن يمارس نشاطاته الحياتية على الأرض ويستمر في أدائها. ولأن الإنسان في ممارسة الأنشطة اليومية عبر أنظمته الثلاثة يؤثر على البيئة بشكلين أولهما التأثير الإيجابي الذي يعني صناعة وتخزين الطاقة خلال النظام الحيوي وثانيهما هو التأثير السلبي إذا نستطيع أن نقول ان أحد أهم الدروس المستفادة من معرض هانوفر، بالنسبة للمعماريين، هو إعادة التفكير في الرسالة التي يجب أن تؤديها العمارة. فمن الناحية الإنسانية لا يمكن أن تتحول العمارة إلى مجرد تلبية الحاجة الوظيفية فإشكالية الفن والوظيفة لابد أن تكون قائمة في أي عمل معماري. كيف يمكن أن نحقق التوازن في كل شيء بين الفن والوظيفة، وبين التقنية والبيئة ـ أسئلة ملحة يطرحها المعرض على المهتمين بشؤون العمران . تاريخيا، منذ المعرض الأول الذي أقيم في لندن والمسمى بالقصر البللوري عام 1851م مروراً ببرج ايفل عام 1889م وحتى معرض بروكسل عام 1958م دائما كان الإبداع المعماري الباعث على المنافسة الشريفة بين الأمم في مجال التقدم التقني والأصالة المستقبلية . ولكن في هانوفر تغير الوضع فقد اصبح على المشاركين ان يقدموا أفكارا تحترم البيئة فكما هو مخطط للمعرض يجب أن تعكس المباني المعروضة مبادئ الاستدامة المتوافقة مع الاجندة 21، فقد كان المطلوب أن تستخدم في تلك المباني نظم إنشائية ايكولوجية ومواد بناء يمكن إعادة استخدامها وتعمل على تقليل استنزاف الموارد الطبيعية . أحد الأمثلة الرائعة التي تجسد هذا التوجه قدمه المعماري الياباني (شيجرو بان) في جناح اليابان فالتقنية المستخدمة تتعامل بذكاء مع الموارد الطبيعية وذات صبغة مستقبلية، فجناح اليابان مصنوع كلية من الورق المقوى المعاد تدويره. لقد استحق الياباني الإشادة فالمادة التي استخدمها تعتبر ثورة في عالم البناء وتستشرف المستقبل فهي مادة يمكن تحويلها إلى عدة استخدامات بعد انتهاء الغرض من المبنى . إن الجناح الياباني يمتاز بالبراعة والإبداع ومع ذلك فهو متقشف . وبشكل عام سيطرت فكرة تدوير مواد البناء على كثير من الأجنحة المشاركة، كونها فكرة تعبر مباشرة عن العمارة المستديمة، ففي جناح الارجواي الذي صممه المعماري (كارلوس أوت) استخدم الخشب والجرانيت أما في جناح نيبال فقد كانت التجربة عميقة وثرية حيث شاركت 800 أسرة ولمدة ثلاثة أعوام بتجهيز الجناح بالفنون النيبالية الأصلية مستخدمين في ذلك الخشب والمعدن والحجر. وكذلك فان الجناح الإسباني يمكن إعادة استخدامه بالكامل لأنه مصنوع من الفلين، على أن دولاً أخرى عبرت عن فكرة الاستدامة وظيفياً فجناح السويد صمم على شكل مسرح يمكن لطلاب جامعة هانوفر الدراسة فيه، أما الجناح السويسري الذي صممه (بيتر زيمذور) فهو مصنوع من الخشب الذي يمكن إعادة استخدامه كما أن شكله يشبه آلة موسيقية تعبيراً عن الهدف الإدراكي الذي تبناه الجناح السويسري عندما حاول أن يشجع خبرة الحواس عن طريق الشم وملامسة المواد المعروضة . وفي الواقع إن معرض هانوفر يشير بإصبع الاتهام إلى المعماريين كونهم تناسوا الاحتياجات الإنسانية والديناميكية التي تحكمها لأنهم لم يحاولوا تكييف تصميماتهم بحيث تتوافق مع مصادر الطاقة المتوافرة وخاصة ان هذه المصادر بدأت تنضب مع صعوبة توافر مصادر بديلة. لذلك يجب أن نضع في اعتبارنا كمعماريين أن الحذر في اتخاذ القرارات التصميمية والتخطيطية ليس كافياً، بل يجب توضيح أهمية عدم الإسراف والاستخدام المتوازن للطاقة والمواد الصديقة للبيئة التي يمكن إعادة تدويرها . إن الإحاطة بأي أمر من جميع جوانبه من البداية حتى نهايته تعطي المعماريين فرصة للمساهمة الفعالة وبشكل كبير للتحكم في اتخاذ القرارات التصميمية التي تشجع وتساند التوازن البيئي. كما انه من الواجب علينا كمعماريين ومخططين أن نكيف التقنية الحديثة للمعايير البيئية حتى يمكننا أن نحقق التوازن المطلوب الذي يكفل للإنسان الحياة المستقرة على وجه الأرض فالتصميم المعماري، بالإضافة لكونه يحقق الحاجة الوظيفية الإنسان، يجب كذلك أن يحافظ على الموارد على هذه الأرض . لقد تحول معرض هانوفر إلي فرصة سانحة لكثير من الدول للتعبير عن هويتها الوطنية ورؤيتها المستقبلية لهذه الهوية وللعالم بشكل عام. فمن العبارة الرائعة التي أطلقها المفكر والأديب الراحل (فرانز كافكا) والتي يقول فيها " بقلبك فقط تستطيع أن ترى جيداً " التي اتخذتها المجر شعاراً لجناحها، لا تحاول المجر فقط أن تحفل بإعادة الولادة الرمزية للدولة ولكن لألف عام من التاريخ . كما ان جناح إيطاليا مهدى لفنان عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافنشي الذي قدم أفكارا متعمقة عن البيئة قبل المعرض بخمسمائة عام . أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد كان جناحها عبارة عن حصن قديم يحيط به عدد من النخيل، انه يعكس روح الصحراء خصوصا عندما تظهر قطعان الحصان العربي وقافلة الجمال في يوم الأمم في السابع من شهر أغسطس 2000م كما أن المغرب ركزت على فكرة أن " حداثة المغرب موجودة في قلب تاريخه " والذي انعكس من خلال توظيف الفن الزخرفي المغربي وبعض عناصر العمارة المغربية التقليدية . وتتجسد التجربة العميقة لارتباط الإنسان وعمارته بالطبيعة واحترامها للطبوغرافيا المحيطة في جناح اليمن الذي نقل تجربة آلاف من السنين من التوافق مع البيئة في صميم جناحه . ربما يكون هانوفر 2000 فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار للثقافات المحلية، فليس ككل الحلول يجب أن تكون جديدة، وليس كل الحلول يجب أن تكون ذات بعد عالمي . يؤكد ذلك (وليام أوريلي) الذي أشار إلى أن القيم العالمية ليست بالضرورة صالحة للجميع فالثقافات الخاصة لها احتياجات معمارية خاصة. فأي حكم على مشكلة معمارية يجب أن يتخذ حسب الفهم الشامل لثقافة المكان وتاريخه، فرغم أن العمارة أصبحت حقلا معرفيا عالميا إلا ان تطبيقات العمارة يجب أن تخضع للخصوصية الإقليمية والمحلية " فالاحتياجات المحلية تتطلب حلولا محلية " ويؤكد الرئيس الإقليمي لليونسكو في شرق آسيا فيكتور اوردنيز أن المضي نحو العالمية يجب أن لا يكون على حساب التضحية وإساءة تقييم الثقافات التقليدية والهويات المحلية والمجتمعات المحلية . إذ انه يجب علينا أن نحافظ على التوازن بين العولمة، والحداثة والإحساس بالهوية المحلية .. الواحد لا يمكن أن يضحي بالإحساس بالهوية المحلية من اجل الإحساس بالهوية الكونية حتى بعد التطورات الحديثة في نظم الاتصال، فانه من غير المرجح، كما يؤكد ذلك (ربابورت) أن نرى إحياء كاملا للنظم التقليدية أو إحلالا كاملا للنظم المعاصرة ففي الحالة الأولى سوف يكون هناك تحجر وفقدان للأصالة أما في الحالة الثانية فسوف ينتج عنها ضياع كامل للجماعات . مما يجعل المجتمعات في حالة هجين دائم مركب من النظم التقليدية المتوارثة والنظم المعاصرة، بدرجات متفاوتة تقترب أحيانا من الصورة التقليدية في بعض المناحي ومن الصورة المعاصرة في مناح أخرى . لقد كان هانوفر 2000 فعلاَ محاولة للتوازن في كل شيء، بعد أن سئم الإنسان من اختلال المعايير فالبيئة والثقافة والعمارة والتقنية وعناصر كثيرة أخرى تشكل نظاما كونيا يحتاج فعلاً لنظرية متوازنة .