نهى المصري
ان التعليم يكون فعالا عندما يقوم بتغيير افكارنا حول ماهية من نحن وماذا نريد؟هذه المقولة مأخوذة من مناهج تربية الطفل، وهي نظرة غربية صرفة تشير الى دور التعليم واهميته في بلورة افكار الطفل، وتشكيل عالمه وبالتالي مستقبل بلاده لاحقا، وهي تدل على ان الغرب يعي تماما خطورة مناهج التعليم، ودورها الفعال في بناء او هدم اية امة، ولهذا نجد ان سعي الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الى فرض مناهج تعليم جديدة لا يأتي من فراغ، وانما يتناسب تماما مع اهداف الخطاب الديمقراطي المفبرك لامبراطورية الاقطاعيين الجدد الذين لا هم لهم سوى استغلال الآخرين.ان تغيير المناهج هو مشهد من مشاهد السيناريو الطويل المرسوم لنا كشعوب وكمنطقة، وكذلك منع الحجاب او الخمار في المدارس الفرنسية هو مشهد من مشاهد المسرحية، وايضا تقويض عمل المؤسسات الانسانية والمسلمة التي تجمع التبرعات لاحياء آمال ملايين المعذبين الذين حرموا من ابسط الحقوق الانسانية، في فلسطين، وفي دول اسلامية فقيرة اخرى. هذه هي بعض المشاهد المفصلية الواضحة، وهنالك مشاهد مموهة يعول عليها المهندس المسيطر حتى يقود الاحداث باتجاه احدى المراحل المهمة من المخطط المرسوم. علينا ان نعي ان ما هذا سوى جزء من قائمة عملاقة من الاملاءات التي لن تتوقف الا عند حدود السيطرة المطلقة للعدالة المطلقة حسبما يدعون!. ولكن ما يختص بتغيير المناهج تحديدا يحق لنا ان نتساءل: من المستهدف بالدرجة الاولى؟وكيف تقوم دولة كأمريكا رافعة شعار الديمقراطية بفرض ما يناسب وجهة نظر تؤمن مصالحها ليس الا، بمعزل عن رأي الآخر؟عندما يطالب الغرب ـ الذي ينادي بعدم التدخل في خصوصيات الآخرين ـ المسلمين بأن يعيدوا فهم الاسلام فهما جديدا يحدده الغرب، فهذا يدل بالضرورة على ان عقيدتنا هي صمام أمان لنا، بل هي العائق الوحيد والاساسي الذي يقف عقبة كأداء تعيق تحقيق احلام الخارج الحالم بالسيطرة والسلب والوصاية ووضع اليد على مقدراتنا وثرواتنا، ولهذا كانت المؤسسات التربوية الهدف الاول في دعوى التغيير الذي سيلحقنا بمؤخرة ركب التقدم والتطور حسبما يروج الغرب لذلك!. ومن ابرز المؤسسات التربوية المستهدفة في التغيير المدارس الشرعية التي مورس بحقها ارهاب من نوع آخر، وذلك عندما سلبت ملامحها باسم حماية الآخر لكن حمايته من ماذا؟ بل من المعتدي بالدرجة الاولى؟ لقد طلبت الادارة الامريكية من الدول العربية والاسلامية حذف مجموعة من الأحكام الاسلامية المتعلقة بالجهاد، والحث على كراهية المشركين واليهود بل تعدت ذلك الى مطالبتها بمنع تحفيظ القرآن الكريم للاطفال الصغار، وهذه الطلبات تتطلب من يسأل: لماذا هذا الاصرار الغربي على فرض هذا الارهاب الديني على المسلمين من قبل غير المسلمين؟ والجواب التقريبي: لان الدول غير الاسلامية تعتبر تدريس الدين الاسلامي بمثابة غسيل مخ وفرض توجه فكري محدد لا يستطيع الطفل تمييزه في هذه السن المبكرة، والغريب ان جميع دول العالم تدرس نصوصا دينية يهودية ومسيحية وهندوكية وبوذية، ولا يطلب منها التغيير القسري كما هو الحال مع المسلمين.غريب هذا الحرص الخارجي على عقول الاطفال المسلمين مع ان امريكا هي رائدة في فن التلاعب بالعقول، ترى هل يمكن ان تحمل نفس (الحرص) تجاه اطفال ينتمون الى اديان اخرى مثلا؟ أليس غريبا أن هذه الشفافية هي نفسها التي تسببت في موت اكثر من مليون ونصف المليون طفل عراقي بسبب الحصار؟ الم ترد مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية للادارة الامريكية السابقة، وبنفس الشفافية عندما سئلت ان كانت ترى ان موت عدد كبير من اطفال العراق هو شيء كثير قائلة: ان ما تقولونه محتمل ووارد لكن هذا شيء لابد منه؟ شيء لا بد منه! ترى ما هذا الشيء الذي يستحق ان يدفع به ثمن كهذا؟ وما شكل تلك القضية وأي عدالة تنتعل لتصعد على اشلاء الاطفال؟ وكيف يمكن لنا الوثوق بجهة تعتبر ان دفع ثمن كهذا امر طبيعي بل لابد منه لتحقيق اهداف لها؟ترى ما هذه الاهداف بل الى اين ستوصلنا؟ وما الذي تبقى لدينا لنبقى هدفا متفقا عليه؟ لا شك في انها العقيدة. ولكن لماذا يخاف الغرب منها؟ وكيف نحميها من سكاكين المتسلطين؟ لعل اللافت ان الجميع يسعى لحفر بصماته على جبين تلك المرحلة المصطنعة ما عدانا نحن انفسنا، فها هو طوني بلير رئيس وزراء بريطانيا يدعو الدول الاسلامية والعربية الى تكريس ما يسمى بالاسلام العادي او الرئيسي لكن كيف يكون الاسلام عاديا؟وبالنسبة الى من يجب ان يكون كذلك؟ وما دام الامر يخصنا نحن بالضرورة، فيما علاقة الغرب فيما يخصنا ويعنينا؟ ربما هذا ما سيملى علينا لاحقا بعد ان اصبحنا اداة طيعة في يد الجلاد. اما بوش الابن فها هو يعلن مرارا: ان الولايات المتحدة ليست بلدا غازيا إننا بلد محرر ملتزم بمساعدة الشعوب على انتهاز الفرص المتاحة من أجل الحرية وبناء مجتمعات أفضل لها ولاولادها. أين الحرية في رشوة امريكا لباكستان بمائة مليون دولار لاطلاق برنامج رقابة على المدارس الشرعية. لقد قدر عدد المدارس الشرعية بسبعة آلاف مدرسة تضم حوالي مليون طالب، ومن اهداف هذا البرنامج تدريب اشخاص للتسلل الى تلك المدارس ورصد كل ما يجري بداخلها، وذلك بالتعاون مع الاستخبارات الباكستانية، فأين الحرية من كل هذا؟ربما علينا ان نعي ان العالم اصبح مشروخا الى قسمين يستخدمان نفس المصطلحات، ولكن المعاني مختلفة تماما كالاهداف والمقاصد. ويبقى السؤال: ماذا بعد؟ ماذا بعد الغاء مدارس الائمة والخطباء في تركيا؟وماذا بعد الغاء مدارس النهضة الاسلامية الشرعية في سوريا؟ماذا بعد الغاء اربعمائة معهد ديني ودمجه بالتعليم المدني في اليمن؟ وكيف سيتم تجفيف جذور المؤسسات الدينية؟ وهل الأمر بهذه السهولة؟ بل هل سيتوقف الامر عند هذا الحد؟ ام ان لائحة القصاص طويلة؟مهما كانت اهداف السيناريو المعد مسبقا وخصيصا لنا، علينا ان نعي ان بين ايدينا رسالة تعرضت للكثير من المؤامرات على مدى التاريخ لكنها صمدت، وستصمد مهما تكاثرت عليها الضربات والنكبات، وهي محصنة لأسباب نذكر منها: أولا: لأنها رسالة سماوية خالدة، يقول الله تعالى في كتابه العزيز (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).وثانيا: لأن هذه الهجمة الحاقدة على الإسلام دفعت الكثيرين باتجاه هذا الدين الحنيف حتى ولو من باب الفضول، حيث انكب عدد كبير منهم على البحث في أركانه وأحكامه لفهم أسباب هذه الحملة التي حولت الكون إلى مكان غير آمن، هذا الإحساس بالغربة ومع غياب صورة البطل القائد من العديد من شوارعنا العربية اضف إلى ذلك الخواء الفكري والوجداني والإحباط بسبب سقوط العديد من الأيديولوجيات من دون ايجاد اية بدائل حقيقية. بعد كل هذه المتغيرات كان اللجوء الى ديننا الحنيف لأنه هو الحل الامثل لاعادة التوازن إلى نفوسنا المنهكة، وللوصول إلى الأمان التام والسلام المطلق. وهذا ما لا يريده الغرب لانه يريد فرض قيمه، حيث يعتبر ان الحرية التي تسود في مجتمعاته هي التي يجب ان يأخذ بها الآخرون، ونحن نسأل:ترى ما شكل الحرية المتعلقة بـ (يجب) واسلحتها، واباطرتها وفي اي درك ستزج بنا؟ لقد اشار وزير الخارجية الامريكي كولن باول في خطاب القاه بجامعة (لويس فيل) الى تبلور رؤية امريكية للمجتمعات الاسلامية تقوم على اساس قيم معينة تمس التكوين الثقافي والسياسي والعقدي لتلك المجتمعات.ما الذي تريده امريكا بقتل الإسلام فينا؟هل تريد زمرة من القتلة واللصوص؟أم مجموعة من الجهلة المارقين؟أم تريد شلة من المستهلكين من دون أية محرمات أو روادع؟في سبيل أي شر يريد الغرب قتل الخير فينا؟ترى هل هذه هي الأسباب الوحيدة لمحاربة الإسلام؟أم أن ما يجري هو فرض علينا من دون استثناء حتى لو لم نكن من المؤمنين بالتنبؤات الانجيلية؟في كتابه (آخر أعظم كرة أرضية) يقول هول ليندسي: علينا ان ندمر الكرة الارضية، وان نبيد انفسنا، وكل ما عندنا من اشجار.. وفنون وآداب وموسيقى جميلة بحيث لا يبقى شيء من الماضي، وبحيث لا يكون هناك غد على الارض. علام هذا العنف؟وهل هذا مجرد رأي شخصي لمجرد كاتب؟بالتأكيد هذا هو ما يؤمن به اكثر من اربعين مليون امريكي، وهم من اتباع الحركة (التدبيرية) وهي من اكبر واقوى الحركات المخربة، وهي تسيطر على قطاع واسع من المنابر الاعلامية الامريكية، وبصورة خاصة التلفزة، وكذلك يشارك قادتها كبار المسؤولين في البيت الابيض والبنتاغون ووزارة الخارجية في صناعة قراراتهم السياسية والعسكرية من الصراع العربي الصهيوني، ولعل من اشهر اعضائها الرئيس الامريكي السابق رونالد ريغان، ويبدو ان الامر لم يتوقف عنده بل تعداه الى رئاسات عدة.لقد قامت حركة التدبيرية وهي الصهيونية المسيحية (الانجيلية) في بريطانيا اولا ثم في الولايات المتحدة الامريكية، وهي تؤمن بعودة السيد المسيح عليه السلام، وهي عودة مشروطة بقيام دولة صهيون، وبتجميع اليهود شعب الله المختار في ارض فلسطين، وهم يؤمنون بأنه لا بد من محرقة نووية (هرمجدون) تحضر لعودة المسيح وأنه لا بد من ان يذوب في المحرقة كل اولئك الذين ينكرون المسيح من الملحدين الشيوعيين، ومن المسيحيين العلمانيين، ومن المسيحيين غير الانجيليين، ومن المسلمين ومعظم اليهود. ان هذا الايمان يقف وراء قرار ضرورة اضعاف العرب والمسلمين، وضرورة تعزيز الترسانة العسكرية لاسرائيل، ووراء حتمية الاستجابة الى جميع مطالبها بالدعم المالي والسياسي والعسكري. فأين تكمن الحقيقة؟ ربما لو نظرنا في مرآة التاريخ مليا فسنجد الجواب قابعا هناك خلف كل الانتصارات والمواقف الجريئة، علينا أن ننظر إليها ونتصفحها ونحفظها عن ظهر قلب، وان نزرعها في أحلامنا، بل يجب أن نرتشفها مع قهوتنا، وان نصنع منها ثيابا لاطفالنا، وان ننثرها فوق تراب ارضنا علها تتحول الى حالة من الصحوة العامة الشاملة، وهذا هو كل ما نحتاجه لايقاف عجلات المؤامرات التي تم تخطيطها لتقطيعنا كي يسهل ابتلاعنا حينما يتحلق الجائعون حولنا، وحينما تنقض الوطاويط لامتصاص دمائنا دونما تفريق بين دماء الحكام والمحكومين.