حاوره ـ محمد عبدالرشيد

المؤامرة علينا 'تاريخ'.. وناكرها طابور خامس

يرى المفكر والباحث عبدالله بن صالح العثيمين ان المؤرخ الحق لايخضع كتابته لهواه او لميوله السياسية, مشيرا الى انه يكتب وفق ما تمليه الشواهد التاريخية. وفي حوار له مع (اليوم) قال العثيمين ان من يحمل فكرا اصيلا فالمكان لايغير منه شيئا ولو عملت دراسة جادة لوجدت ان في الوطن مستغلين ولم يذهبوا الى الغرب في حين انك تجد كثيرا من اخواننا الذين ولدوا في اوروبا متحمسين لقضايانا.. واكد العثيمين على ان قضية مراجعة المناهج لكل الوطن العربي قائمة منذ زمن وليست وليدة اليوم, مشيرا الى انه في السعودية هناك وكالة في وزارة التربية تسمى بوكالة التطوير التربوي مهمتها مراجعة الكتب والمناهج من حين لآخر. وكان معه هذا الحوار..التحكيم@ كيف يتم التحكيم في جائزة الملك فيصل؟- هناك لجنة اختيار في كل عام وتكون من متخصصين في فروع الجائزة وهي الحلقة الاخيرة من حلقات الترشيح الذي يبدأ عندما تقرر اللجنة المشرفة ان موضوع الجائزة العام القادم هو كذا فتقوم الامانة العامة بالاعلان عبر الصحف والانترنت والمجلات المتخصصة وهناك زمن محدد لقبول الابحاث.. والترشيحات تأتي من المؤسسات العلمية كالجامعات ومراكز البحوث ولا تقبل ترشيحات الافراد او الاحزاب السياسية فاذا اكتملت الترشيحات لدى الامانة العامة للجائزة يؤتى بمن يفحصها فحصاً اولياً واذا تقرر ما سيرسل الى الحكام العالميين.. والحكام في الغالب اكثرهم من خارج المملكة وترسل الى العلماء النابهين في العالم حسب تخصصاتهم ويدرسونها لمدة 3 شهور ثم يكتبون تقاريرهم حولها ثم تدعى لجان اختيار متخصصة تختار كل سنة حسب الموضوع واذا اجتمعت هذه اللجنة قررت منح الجائزة حسب التقارير التي قدمت من المحكمين.الاهواء الشخصية@ البعض يقول ان كتابة التاريخ دائماً ما تخضع لاهواء ذاتية واغراض سياسية فما رأيك؟- هذه المسألة تختلف من شخص لاخر فانا لا اعتقد ان المؤرخ الحق هو الذي يخضع كتابته لهواه او لميوله السياسية ولكنه هو الذي يكتب وفق ما تمليه الشواهد التاريخية لكن بطبيعة الحال فالكتاب بشر فيمكن ان يوجد شخص يكتب من منطلق شخصي او منهجي.الفكر الاصيل@ بعد حصولك على الدكتوراة من جامعة أدنبرة فى اسكتلاندا ببريطانيا ومعيشتك فى قلب الغرب، نرى البعض ينبهر بالغرب وتكون له نزعة للتغيير بعد عودته لكنك لم تفعل.. ترى لماذا؟.- اعتقد ان من يحمل فكرا اصيلا المكان لا يغير منه شيئا ولو عملت دراسة جادة لوجدت ان في الوطن مستغلين ولم يذهبوا الي الغرب في حين انك تجد كثيرا من اخواننا الذين ولدوا في امريكا واوروبا متحمسين لقضايا امتهم اكثر ممن تجدهم في العالم العربي وانا اعتقد ان هذا الموضوع يعتمد على ايمان الانسان وعلى ادراكه لقضايا امته اينما حل فالتوجه والمفهوم الانساني لهوية امته لا يحدده المكان لكن يحدده مدى رسوخ هذا المفهوم للهوية والفكر فاذا كان لديه فكر اصيل وهو يفهم هوية امته فالمكان لا يغير بل ربما يرسخ هذا المكان هذه الهوية..سخرية المؤامرة@ الظلم الفادح الذى يتعرض له تاريخنا المعاصر وسيشهد التاريخ على هذه الفترة فما حقيقة وجود مؤامرة على الأمتين العربية والإسلامية .. كيف ترى بحيادية المؤرخ هذه الصورة ؟- قضية المؤامرة لعل هناك أناسا يسخرون ، ويستهزئون اذا ذكر مؤامرة !! فالمؤامرة تتكون عادة من خارج الأمة المتآمر عليها وأحيانا تكون من أطراف من داخل الأمة وبالنسبة لتآمر الغرب على قضايا أمتينا العربية والإسلامية معروف ولا نحتاج إلى الذهاب إلى الماضي البعيد ففي أثناء الثورة العربية الكبرى للشريف الحسين بن علي نعرف كيف تآمرت بريطانيا وفرنسا ، كانت بريطانيا تعد الشريف الحسين بأن كل ارض تنتزع من الدولة العثمانية ستكون في نهاية الأمر ملكا لدولة عربية وفي نفس الوقت كانوا يعطون الوعود لأطراف اخرى وعملوا اتفاقية (سيكو سبيكو) واستمرت المؤامرات مثلما حدث في 73 ومثلما يحدث في الظروف الحالية الان وظهرت الان الوثائق البريطانية التي تؤكد أنه كانت هناك فكرة وكادت تنفذ في عام 73 لاحتلال منابع النفط وما حدث الان من كذب حول اسلحة الدمار الشامل فغزو العراق كان مخططاً له منذ عام 98 وتقدمت بهذا المشروع إدارة الرئيس كلينتون وغزو افغانستان كان مخططاً له قبل احداث سبتمبر ، كل هذه القضايا الان لا ينبغي ان تغيب عن الاذهان وانه في عام 74 كثير من الكتاب في الصحف الامريكية طالبوا باستعادة المال الذي انتهب منهم بالطريقة التي يرونها واستعادوه ، وكان هناك ايضا مشروع كسينجر على اساس طائفي وعرقي وما يحدث الان يكاد يكون تطبيقا حرفيا لهذه الاستراتيجية ، فقضية المؤامرة موجودة ولكن هذا لا يعفي العرب قيادة وشعوبا من المسؤولية ، فالمفروض ان ننتبه وان نعمل فالآخرون خصوم يسعون الى مصالحهم ويجب ان نسعى نحن الى مصالحنا واضرب مثلا واحدا فامكانياتنا ليست قليلة وقادرة لو حدث تصميم وثقة بين الشعوب وقيادتها ، فما حدث في ماليزيا هذه الدولة الصغيرة التي تضم سكانا من عرقيات وطوائف مختلفة الصيني والهندي والملاوي ، هذه الدولة الصغيرة في الحجم والمختلفة في تأليفة سكانها ولانها وهبت قيادة جيدة تمكنت من الوقوف أمام اقوى قوة اقتصادية وهي اجنبية واستطاعت ان تصمد ورفضت ان يستدين من البنك الدولي واستطاعت ان تكون هناك ثقة بين القيادة والشعب وتبرعت النساء بحليهن حتى تم دعم الاقتصاد الماليزي ويقف على قدميه ، لكن مشكلتنا نحن أن لا ارادة سياسية من القيادات ولا من ممن يسمى الجمعيات الاهلية المدنية ..الديمقراطية والإسلام@ تحدثت عن مفهوم الديمقراطية الغربية ومحاولة فرضها على دولنا العربية والاسلامية ، فهل الديمقراطية الغربية تتماشى مع اسسنا الاسلامية ؟.- بالنسبة للديمقراطية فهناك ايجابيات لها ولكن بالنسبة الى الديمقراطية فإنها تستند في التشريع الي الانسان ونحن مصدر التشريع عندنا هو القرآن والسنة النبوية الشريفة ، فالتشريع عندنا التشريع الالهي ، لكن من حيث الاداة أن يصل الانسان إلى ان يحكم نفسه بنفسه هذا مبدأ جيد ووسيلة ان يصل انسان إلى انه فعلا الطبقة الحاكمة التي تسير الامور تمثله هذا شيء طيب من حيث المبدأ لا غبار عليه لكن لابد ان يكون هناك وضوح أما بالنسبة لنا فمصدر التشريع في نهاية الامر هو الشريعة لاننا لو جعلناه للانسان وصوت الى شيء يخالف الشريعة مثلا عندما حدث في بريطانيا حيث اجاز البرلمان اللواط فهذا غير وارد طرحه في المجتمع المسلم ، هناك اشياء تكون ضد التشريع فالديمقراطية من حيث انها اداء لضمان حق الانسان ولا يتعارض مع التشريع ، اذا كان لدى الغرب في مفهوم الديمقراطية والحرية اسانيد جيدة تحقق للبشر ولا تتعارض مع نص شرعي متفق عليه نعود الى الغرب الذي جنى ما جنى من قضية الديمقراطية أي طبق هذه المبادىء في علاقاته مع الآخرين فكل الحكومات الغربية تعاملت مع الشعوب الاخرى تعاملاً سيئا جدا مثلا لنأخذ فرنسا ام الحرية والعدالة والمساواة كيف كان تاريخها الاستعماري وبخاصة ما حدث في الجزائر وخرجت كتب في هذا العام تضمنت اعترافات بعض الجنرالات الفرنسيين بأنهم كانوا يرمون المعتقلين للكلاب التي جوعوها عدة ايام لتنهش لحومهم الي هذه الدرجة نأتي مثلا إلى بريطانيا وما عملته في مستعمراتها في كينيا وغيرها ، نأتي الى أمريكا وتاريخ مخابراتها في تصفية المعارضين لها والقيام بانقلابات ضد حكومات شرعية وليس ادل مما حدث لمحمد مصدق في ايران وحكومة الليندي في تشيلي وكثير من الانظمة الدكتاتورية في جنوب افريقيا كان وراءها امريكا وآخر شيء ما حدث في جونتانامو وضعوا من اعتقلوهم بدون تحقيق وابعدوهم عن الساحل الامريكي بضعة امتار حتى لا يستفيدوا من القانون الأمريكي الذي يكفل حق المرافعة للآخرين.. أين حقوق الانسان فهذه الدول تنادي بشئ تطبقه بدرجة كبيرة في بلادها لكنها في تعاملها مع الآخرين تعمل ضده ، وما يحدث الان اتصور انه محاولة لخلخلة الشعوب والقيادات وبذر روح الانقسامات بينها حتى تضعف اكثر فأكثر وتكون الهيمنة في نهاية الامر للدول الغربية وعلى رأسها امريكا لكي تستغل المنطقة وامكانياتها ومعروف التحالف الاستراتيجي والعضوي بين الادارات الامريكية المتعاقبة وبين الدولة الصهيونية .تغيير المناهج@ يتبارى المتبارون من داخل الوطن وخارجه في الهجوم على مقررات العلوم الدينية في مناهجنا التعليمية؛ هل يمكن ان نتأثر بهذا الطرح ؟.- قضية مراجعة المناهج لكل الوطن العربي اعتقد انها قائمة منذ زمن ، مثلا في السعودية لدينا في وزارة المعارف التي اصبحت الان وزارة التربية والتعليم .. وكالة في الوزارة اسمها وكالة التطوير التربوي وهذه الوكالة تقوم من وقت لاخر بمراجعة الكتب والمنهج لانه بالتأكيد تحدث تطورات في العلم والأساليب في تقنية التعليم ، كل هذا يستدعي ان ينظر الى المنهج وإلى الكتاب من وقت لآخر وهذا لا غبار عليه ، لكن المشكلة الان ليست هي قضية التطوير ولكن هي قضية ان يغرس في اذهان الجيل الناهض والمتعلم فكرة أنه ليس هناك عدو للعرب اسمه دولة اسرائيل وهذا هو الموضوع ، وانا اعتقد بالنسبة للسعودية لو انها قامت وتعارضت مع ما تؤمن به واقامت علاقات مع الكيان الصهيوني من المحتمل جدا ان ثلاثة أرباع هذه الهجمة لم تحدث لكن من حسن الحظ وهذا شيء اكيد يحتسب للقيادة السعودية انها رفضت جميع الضغوط وجميع الاغراءات من الادارة الامريكية بأن تقيم أي علاقة مع دولة اسرائيل حتى يتحقق السلام وتنفذ قرارات الامم المتحدة ومبادة الامير عبد الله ، وكما قلت سابقا انا اعتقد لو ان الدولة السعودية سهلت في تنازلها عما تؤمن لما حدث كثير من هذا الهجوم عليها .. ومما لايستطيع أن ينكره متأمل أن الهجوم على المواد الدينية في مناهجنا التعليمية؛ بدعوى أنها وراء إحداث فكر إرهابي، إنما انطلقت مسيرته فعلاً بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر. أما المهاجمون من خارج الوطن فشأنهم معروف. لكن السؤال حول المهاجمين من داخل الوطن. هل انطلاقة مسيرة هجومهم بعد تلك الحادثة جاءت بوحي خارجي.. ربما استدل من استدلّ بالقرائن، فظنَّ هذا الظن. وقد يقول قائل: إن الهجوم انطلق نتيجة يقظة داخلية قدّر لها أن تتم بعد سبات عميق لتصلح شأن أصول عقيدة قام على أساسها، وناصرها، الحكم السعودي بأدواره الثلاثة. على أن من الصعب إنكار أن أمريكا قد أصبحت تتحكم؛ متجبِّرة متغطرسة، بشؤون العالم؛ متقدمة تقنياً واقتصادياً ومتخلِّفة، وإن اختلفت درجات هذا التحكُّم وفقاً لقابلية زعامات الدول للخضوع لإرادتها وإملاءاتها.ترسيخ المصطلح الاعلامي@ الانزلاق الاعلامي الذي وقع فيه البعض ممن استدرجتهم المصطلحات الغربية وغيروا من المفاهيم الاصيلة .. ترى ما تفسيرك لما يحدث ؟- هذا شيء مؤلم فعندك الان جريدة تسمى الشرق الاوسط ووكالة انباء تسمى الشرق الاوسط اين الوطن العربي وآخر شيء يطلقون على قوات الاحتلال انها قوات احتلال متناسين الاصل ومتقدمين لمصطلح مغاير للواقع فالتسمية تترسخ يوما بعد يوم في اذهان الشباب العربي وهذه خطورة ، نتصور ان تسمي الاشياء بأسمائها الحقيقية ، مثلا الاعلام الامريكي لا يطلق على الاحتلال احتلالا ولكن يقولون عليه اراض محتلة حتى يعطوا مبرراً لاسرائيل فينبغي أن نكون مدققين لمحل هذه الامور وان نحاول ان نسمي الاشياء بأسمائها الصحيحة حتى لا نخدع شباب امتنا ووطننا العربي . ومن الانزلاق الاعلامي الأعمى اطلاق تعبير "مشروعات السلام" على مشروعات التسوية التي يراد لها أن تتم بين قوي يفرض شروطه؛ وهو الجانب الصهيوني، وضعيف أصبح يقبل هذه الشروط، أو معظمها، تائهاً وراء سراب بقيعة وكأنه لا يدرك أنه يتعامل مع عدو ليس لديه رغبة في السلام إلا إذا كان له وحده رغم احتلاله الأرض وشنِّه حرب ابادة على أهلها. والأدهى من ذلك ان بعض أجهزة اعلامنا؛ تمشياً مع رؤية مسلوبي الارادة من القادة، ما زالت تصف أمريكا براعية السلام وهي التي تدعم المجرمين من الصهاينة دعماً غير محدود. ومن الانزلاق الاعلامي الأعمى ترديد بعض أجهزة الاعلام العربية ما يردده الاعلام الأمريكي من ان أمريكا تشن حربا على الارهاب وكأن هذه الدولة المتجبرة لم تقم أساساً على الارهاب، ولم يحفل تاريخها منذ أن قامت بأدلة واضحة كل الوضوح على اتصافها بما تدعي زوراً أنها تحاربه. بل هبط مستوى بعض أجهزة الاعلام العربي الى درجة التحدُّث عن أمريكا بخاصة وكأنها مخلصة لما تزعم أنها تطبقه من ديمقراطية، وتراعيه من حقوق للانسان مع ان حقائق التاريخ تثبت أنها تآمرت وما زالت تتآمر - على حكومات منتخبة ديمقراطيا.الاعلام العربي والعراق@ وماذا عن تعامل الاعلام العربي مع قضية العراق؟- لقد حدث ما كان متوقعاً من بعض أجهزة هذا الاعلام من بداية التحضير الأمريكي لاكتساح العراق والاستيلاء عليها الى الوقت الحاضر الذي أعقب ذلك الاكتساح وهذا الاستيلاء. فراحت تردد - بغباء أو بدوافع ذاتية مريضة - ما كان يروجه الاعلام الأمريكي المتصهين من أن الهدف من الهجوم على العراق هو القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي كانت قيادة العراق حينذاك تمتلكها؛ تصنيعاً أو شراء. ولم يخطر ببال أرباب هذه الأجهزة المنزلقة وراء إعلام أعداء الأمة التفكير في أن فرق التفتيش الدولية لم تعثر على أسلحة دمار شامل رغم عملها المتواصل. وعندما هاجمت قوات العدوان الأمريكية العراق والى جانبها قوات بريطانيا، التي سبقت عدوانها للأمة العربية عداوة أمريكا؛ وذلك بكونها الدولة التي غرست شجرة الصهيونية في فلسطين ورعتها حق الرعاية، تحوّل اعلام المعتدين نوعاً ما من وصف العدوان بأنه للقضاء على أسلحة الدمار الشامل الى وصفه بأنه تحرير للشعب العراقي من حكم ظالم ليحلُّ محله حكم ديمقراطي عادل! وما كان هذا الادعاء وذلك الزعم إلا كذباً وزوراً. لكن لم يكن للإعلام العربي المنزلق، أيضا، إلا أن يردد ما كان يردده اعلام المعتدين الأقوياء، من كذب وزور وكأنه صدق وحق. على أن الأدهى والأمر أنه مع فشل الذين اعتدوا على العراق في العثور على أسلحة دمار شامل سكتت قياداتهم عن استعمال القيادة العراقية لها عندما كانت لديها وكانت مصالحها منسجمة مع مصالح تلك القيادة، ومع اتضاح ان الهدف الحقيقي لعدوانهم لم يكن رأفة بالشعب العراقي أو تحريراً له من ظلم، فإن بعض أجهزة الاعلام العربي ما زالت بعيدة عن تسمية الأمور بما يتفق مع حقيقتها. فبدلاً من تسمية قوات الاحتلال بهذا الاسم المنطبق مع الواقع راحت تردد ما يقوله اعلام المعتدين أنفسهم بتسميتها "قوات التحالف". العلاقات العربية الأمريكية@ كيف ترى حقيقة العلاقات العربية الامريكية؟.- إن من المعلوم لدى كثير من الباحثين أنه لا يوجد كره عربي للشعب الأمريكي، الذي تخفي وسائل إعلام مؤثرة موالية لأعداء العرب عنه كثيرا من حقائق السياسة الجائرة التي تتبعها حكومته تجاه قضايا العرب؛ وبخاصة قضية فلسطين. وما بين الشعبين الأمريكي والعربي على مستوى الأفراد من علاقات طبيعية لا تختلف عن علاقات أفراد الشعب العربي بأفراد الشعب السويدي - مثلاً - شاهد على ذلك. لكن هناك رد فعل لدى الرأي العام العربي لسياسة الحكومات الأمريكية المتعاقبة: وهي السياسة التي أصبحت أشدّ شراسة وفظاظة ضد الحق الفلسطيني بخاصة وضد قضايا العرب بعامة في ظل الحكومة الحالية. أن النخبة الأمريكية تطرح سؤالا:ً ماذا يريد العرب المسلمون من الولايات المتحدة الأمريكية؟ واذكر من أبيات شعر البادية الحكيمة بيتاً يقول قائله:ليت من خيره كفانا شرهطال شره دلونا ورشانا- ان العرب لا يريدون من الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن تكون عادلة في معاملتها لهم، وفي تعاملها مع قضاياهم؛ وفي طليعتها قضية فلسطين. لقد أصبحت أمريكا بما تملكه من امكانات بشرية واقتصاية وعلمية - المؤثرة الأولى في مجريات الشؤون الدولية، إن لم أقل المتصرفة في هذه الشؤون حقيقة. وهي، بهذه القوة الفريدة، قادرة على أن تنتهج العدل في تلك المعاملة وذلك التعامل. ولو تحررت من عقدة التصهين، وتوخت العدل في سياستها مع العرب لوجدتهم؛ قيادات وشعوباً، يتعاملون معها بكل ما تتصف به العلاقات بين الدول والشعوب من مظاهر الود والتصافي. كم يتمنى كل مخلص أن يتحقق ذلك. المواقف الأمريكية والجذور@ باعتباركم أحد المهتمين بدراسة التاريخ الحديث، أو جوانب منه، فماذا عن جذور المواقف العدائية لبعض الساسة والمفكرين الأمريكيين الأوائل تجاه العرب والمسلمين؟.- سأكتفى بإشارات قد تساعد على الاجابة عما أحاول الإجابة عنه من أسئلة، ذلك أن بعض الساسة والمفكرين، ابتداء من القرن التاسع عشر الميلادي، قد اتخذوا مثل تلك المواقف العدائية بوضوح. فكتاب أحدهم المعنون: حياة محمد مؤسس دين الإسلام وامبراطورية السارزان (والسارزان اسم أطلقه أعداء الإسلام على المسلمين) طبع سنة 1831هـ، مشتملاً على أشنع ما كتب عن العرب والمسلمين والنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، في الولايات المتحدة. وكتابه الآخر المعنون: وادي الرؤى، أو عظام إسرائيل اليابسة، من أبرز محطات الصهيونية الأمريكية الداعية إلى ضرورة العمل من أجل تجميع يهود العالم في فلسطين وتدمير ما سماه امبراطورية السارزان. ولو تأمَّل الباحث مواقف قادة أمريكا من بداية القرن العشرين إلى الآن لوجد أن ذلك الموقف العدائي المشار إلى وضوح شيء منه في القرن التاسع عشر ظلَّ هو الموقف العام لأولئك القادة، وإن اختلف وضوحه من واحد إلى آخر. فالرئيس ولسون، المتوفى عام 1924م، المشهور بمناداته بحقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، قد أيَّد وعد بلفور القاضي بالسماح لليهود باقامة وطن قومي لهم في فلسطين مع أنه يعلم - ربما أكثر من غيره - أن إقامة مثل هذا الوطن تتنافى مع الحق الشرعي للفلسطينيين في بلادهم، ولقد بذل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - محاولات جادة ليبين للرئيس روزفلت ما لحق بالفلسطينيين من ظلم، وناشده بعبارات مفعمة بالاطراء والمديح باسم العدل والحرِّية ونصرة الشعوب الضعيفة التي اشتهرت بها الأمريكية النبيلة، أن تتكرَّموا بالنظر في قضية عرب فلسطين، وأن تكونوا نصراء للأمن المطمئن الهادئ المعتدى عليه من قبل الجماعات المشرَّدة من سائر أنحاء العالم. ورغم ذلك كله فإن الرئيس الأمريكي أجابه قائلاً: إنه طالع ما في رسالة الملك باهتمام خاص، وإن اهتمام الشعب الأمريكي بفلسطين يرتكز على عدة اعتبارات، منها ما هو ذو صبغة روحية، ومنها ما هو ناشئ عن الحقوق التي نالتها الولايات المتحدة في فلسطين من الاتفاقية الأمريكية البريطانية الخاصة بالانتداب في فلسطين المؤرخة في 3/12/1924م. وأحال في نهاية رسالته الجوابية إلى بيان وزير خارجيته حول فلسطين، وهو البيان الذي ورد فيه:"كما هو معروف حق المعرفة فالشعب الأمريكي قد اهتم اهتماماً وثيقاً عدة سنين برقي الوطن القومي اليهودي بفلسطين. وكل رئيس، ابتداء من الرئيس ولسون، قد عبَّر عن اهتمامه الخاص في مناسبة واحدة، أو مناسبات عدَّة، بفكرة وطن قومي لليهود، وأبدى سروره بالتقدم الذي وصل إليه إنشاء هذا الوطن، وفوق ذلك فقد عبَّر عن عطف الأمريكيين على الوطن اليهودي في فلسطين، وترحيبهم بالقرار المشترك الذي اتخذه المجلس النيابي الأمريكي (الكونجرس) والذي أمضاه الرئيس الأمريكي في 21/9/1932م، مسجلاً خطة الولايات المتحدة الودّية نحو هذا الوطن القومي. وإنه في ضوء هذا الاهتمام راقبت الحكومة الأمريكية وشعبها بأشدِّ العطف تدرُّج هذا الوطن في فلسطين، وهو مشروع لعب فيه الذهب ورأس المال الأمريكي دوراً رئيساً. وهكذاً يتضح أن ما أورده الملك عبدالعزيز في رسالته إلى الرئيس روزفلت لم يلق أذنا صاغية، فجواب هذا الرئيس على مناشدة الملك المفعمة بالاطراء والمديح له بالنظر في الظلم الواقع على الفلسطينيين يوحي وكأن الملك كان يناشده ان يوضح تأييده لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب أهلها الذين وقع عليهم الظلم. وكرَّر الملك عبدالعزيز الكتابة إلى الرئيس روزفلت، محاولاً اقناعه باتباع الحق ومناصرة العدل. وردَّ الرئيس بأن حكومته ترى عدم اتخاذ أي قرار يغيَّر وضعية فلسطين الأساسية من دون التشاور الكامل مع العرب واليهود. أما كيف ينسجم عدم تغيير الوضع الأساسي مع تأييد اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وإمدادهم بالذهب ورأس المال الأمريكي لتنفيذ ذلك فأمر متروك لكل قارئ أن يجيب عنه. وأتى ترومان إلى رئاسة أمريكا بعد روزفلت، معلناً أن أصوات اليهود في انتخابات بلاده في طليعة ما يأخذه في الاعتبار، وما أعلنه أصبح نهج أكثر الرؤساء الذين خلفوه.