الطائف ـ نورة العتيبي

التجول في الأسواق

بعضهم يعتبره متعة وبعضهم يعتبره مضيعة للوقت والبعض الآخر يراه الوسيلة الأمثل للتخلص من الضيق لكن ... أساتذة علم الاجتماع والمتخصصين في الطب النفسي يعتبرونه نوعا من الأمراض إنه (التجول في الأسواق) أوإدمان الشراء أو النموذج السيء الذي تفرضه ثقافة الاستهلاك فما الأسباب ؟يقول الباحث الاجتماعي الدكتور أمجد العطاس : إن ارتفاع مؤشرات الرغبة في الشراء يحدث خلال الحالات الانفعالية لدى الإنسان، سواء كان رجلاً أم امرأة، ففي حالات مثل الاكتئاب تنتاب الانسان رغبة عارمة في ترك المكان الذي يكون فيه، ومشاهدة أشياء جديدة، فيخرج إلى الأماكن العامة كالأسواق، والأمر نفسه يحدث في حالات الفرح والسعادة، فالانفعال بشكل عام، وسواء كان سلبياً أم إيجابيا، يدفع صاحبه إلى أشياء يشعر معها بالتغيير، لذلك فإن المرأة مثلا قد تذهب إلى سوق تجاري كبير وليس في نيتها شراء أي شيء محدد، لكنها عندما تذهب قد تكتفي بشراء قطعة شوكولاته، أو لعبة زهيدة الثمن لطفلها الصغير. ويضيف الدكتور العطاس قائلا: هذا الإحساس يدعمه التوجه العام نحو ثقافة الاستهلاك، التي أصبحت تحكم حياتنا اليومية، فهناك نزعة عالمية نحو تكريس هذا المفهوم الاستهلاكي، ولا فرق فيه بين مجتمعات غنية وأخرى فقيرة، فالكل يستهلك وفق معاييره الاجتماعية والشخصية، ولعل الحرص على أن تكون الأسواق كبيرة وجميلة، هوفي الأساس جزء من تكريس هذا المفهوم ، فالمرء عندما يشعر بالانفعال يخرج، وعندما يخرج يجد أن هذا السوق أو ذاك مريح من الناحية الجمالية، فيذهب مباشرة إليه، وعندما يذهب إليه، فهو بالضرورة سوف يشاهد (الفاترينات) ويطلع على أشياء جديدة، ومن هنا يجد نفسه مدفوعا إلى الشراء، وهذه هي السياسة التي يلعب عليها منطق الثقافة الاستهلاكية. إنهم يدرسون نفسيات البشر، ويوفرون لهم المناخ المناسب، أو الأماكن المناسبة التي تجعلهم في لحظات انفعالية معينة (متورطين) في شراء أشياء ليسوا في حاجة إليها، ولم يخططوا لشرائها، ولم تخطر على بالهم قبل الخروج من منازلهم . فخ الشراء وهذا بالضبط..ما تؤكده السيدة (رنا) وهي زوجه وأم لثلاثة أطفال أكبرهم في الحادية عشرة من عمره حيث تقول: أنا ربة منزل ، لا عمل لي سوى القيام بشؤون البيت وتلبية مطالب الأولاد، فزوجي يمضي معظم ساعات اليوم في العمل، ولا يعود إلا بعد الثانية ظهراً لتناول الغداء ثم النوم، ويخرج في الخامسة ولا نراه إلا بعد العاشرة مساء. هذا إيقاع حياتنا اليومية، ولست وحدي الذي أعاني هذا الأمر، فكل جاراتي تقريبا يعشن نفس الظروف، لذلك أحيانا أشعر بالضيق والضجر، فاتصل على بعض جاراتي، وإذا وجدت إحداهن لديها رغبة في الخروج أستأذن زوجي بالهاتف وأخرج مع جارتي وأولادنا إلى أقرب سوق. هنا لا نخطط لشراء أي شيء، لكننا بمجرد دخولنا الأسواق نشعر وكأن هناك (فخ) منصوب لأي شخص قادم إلى السوق، تعجبنا أشياء فنشتري، ويتعلق الأطفال بأشياء فنشتري، حتى أصبحت هذه عادة، فمع مرور الوقت أصبحنا خمس او ست سيدات نخرج على الأقل مرتين في الأسبوع، وبشكل جماعي، وطبعا بعد أن أصبحت عملية شراء أي شيء مسألة.. إدمان اصبح ازواجنا يضعون ميزانية لمثل هذه المواقف، لكن بكل صدق، ومع أننا نشعر بقدر من الارتياح بعد الخروج والتخلص قليلا من الإيقاع الرتيب لجو المنزل، كثيراً ما أغضب من نفسي لأنني اشتريت أشياء لم يكن لها أي داع، وأحيانا أسأل نفسي باستغراب: لماذا اشتريتها ؟ولا أجد أي إجابة مقنعة . كثافة الإعلانات من جانبها تقول الاخصائية النفسية سمر البسام : لاشك في أن كثرة الإعلانات عن منتجات بعينها، يرسخها لدى المستهلك، وحتى لو لم يكن في حاجة إليها، فإنه من باب الفضول، والعلم بالشيء يجربها، وهناك تركيز تسويقي علىالمنتجات التي تهم المرأة والأطفال على وجه الخصوص، لانها بطبيعة الحال هي الأكثر تردداً على الأسواق، وهذا له عدة أسباب منها أنها تعتبر الذهاب إلى الأسواق (فسحة) ومنها أن تكون بدون عمل فيكون الذهاب للأسواق شكلا من أشكال الترفيه بالنسبة لها ولأطفالها أيضا، وحتى إذا خرجت مع زوجها، فإن المكان المقصود غالبا ما يكون أحد المطاعم، وهذا هو الآخر شكل من أشكال الاستهلاك . وتضيف الاخصائية سمر البسام فتقول : الآن أصبح هناك مصطلح معروف يسمى الشراء القهري، أوإدمان التسويق، وهذا المصطلح لم يكن موجوداً في السابق، لكنه وجد بعد هيمنة الثقافة الاستهلاكية ، حيث استطاعت آلة الدعاية والإعلان التي تعمل بشكل شرس ايجاد نوع مريض من المستهلكين، أو ما يمكن أن نطلق عليه التسوق المرضي، أو الاستهلاك المرضي. في السابق كنا نشتري الأشياء التي نحتاجها، أما اليوم فالكثير منا يشتري تحت ضغط الإعلان، وتحت أساليب الإغراء في العرض للمنتج الجديد، لأن الآلة الاستهلاكية الحديثة تتفنن في أساليب الجذب، وتقنع الإنسان حتى بالسلع الرديئة .تعويض النقص أما عن التوصيف العلمي لهذا النوع من المستهلك فيقول طبيب الأمراض النفسية الدكتور مجدي عرفة : أبرز تفسير لهذا النمط من الاضطراب، أن المصابين به يعانون نقصا في تقديرات الذات، أوما يمكن أن نطلق عليه اسم نقص في الثقة بالنفس، الناتج عن افتقاد الإحساس الداخلي بالقيمة ، فيحاول المريض تعويض هذا النقص باستهلاك محموم لأشياء خارجية تضفي عليه مزيداً من الأهمية أو القيمة التي يشعر بفقدانها امام نفسه من جانب، وأمام الآخرين من جانب آخر وهذا في الغالب يحدث لدى النساء أكثر، فهن غالبا يشترين أدوات تجميلية واكسسوارات وملابس، وكلها بغرض تعويض مشاعر داخلية بفقد شيء معين مرتبط بهن أولا، وبمن يهمهن أمره ثانيا، لكن هذا الكلام لا ينحسب على كل النساء، وإنما فقط على اللائي يعانين اضطرابات نفسية في هذا الخصوص.