بوح الخاطر
حاولت ان اتهجى ملامح هذا الشتاء القادم برائحة المطر والضباب.. اشعلت القنديل وسلطته في كل الزوايا بعد ان اعلنت الشمس رحيلها.. يبدو ان لغة هذا الشتاء تختلف تماما عن الاعوام الماضية. فهي لم تعطنا فرصة الترقب والتهيؤ والاستعداد كما هي العادة.. بل ادهشتنا هذه اللغة بعطائها اللا محدود بزخات المطر تساءلنا ونحن نطوي اوراقنا الصيفية هل ستكون لغة الليل تحت المدفئة هذا العام نبضا يلامس صحراء وجداننا القاحلة.. مادام ان زخات المطر اعلنت هذا القدوم القوي لفصل الشتاء على غير العادة..@ في كل عام يعلن هذا الشتاء قدومه بخجل ويتساءل الناس مع جدار الوقت هل وصلنا لمحطة ما يسمى فصل الشتاء.. فالسماء لاتزال تحتفظ بجموع السحاب وترفض اطلاق سراحه بهطول المطر.. ورائحة الصيف جاثمة على صدورنا، ونحن نتساءل مابال هذا الشتاء خجولا عن اعلان قدومه.. ولماذا لا يكون جريئا مثل باقي الفصول؟ ولكن هذا الموسم تخلى هذا الشتاء عن خجله اعلن قدومه بعنصر المفاجأة، كأنه يريد ان يقول هأنذا.. بعكس المواسم السابقة فاعلانه يكون في مراحله الاخيرة.@ مساءات الشتاء تبدو مختلفة عن باقي المساءات في كل الفصول.. فالقصائد لاتولد الا بين زخات المطر.. والاحرف الجميلة الرائعة لاتصاغ في الجمل الجوهرية الا في عقارب ساعات الليالي الشتوية.. والابحار في سيمفونيات النفس تبدو اكثر غزارة تحت مدفئة الشتاء، ترى هل القصائد والاحرف والكلمات تكون اكثر جمالا في مساءات الشتاء؟ هل يربطنا المطر بالسماء فنكون اكثر صفاء.. واكثر نقاء.. واكثر وفاء؟@ يدهشني هذا الشتاء فهو يجعلنا نترقب الربيع بخضرته، ويجعلنا نصافح الاشياء.. يجعلنا نتوسد زمان الذكرى في ساعات ليله الطويل.. يجعلنا نرسم للمجهول بستانا فالمطر يغسل احزاننا، والبرق والرعد يعلماننا التحدي في مواجهة الصعاب، فنصد عن نفوسنا هجمات القسوة، ونزيح عن اعيننا اقنعة الفشل وغبار الايام.@ هذا الشتاء يمنحنا بطاقة الصمت والترقب للغة السماء.. يجعل الاشياء تتأمل ذاتها.. يجعل للحب عبارة واحدة هي الدفء رغم المطر والرعد والبرق.. رغم الصباح المغطى بمساحات الضباب وقطرات الندى.. ترى هل لحظات الدفء في هذا الشتاء الغريب الممزوج بالصقيع خاصة فقط لاجسامنا؟ ام انها تخص عمق ذواتنا اكثر واشمل واعمق من دفئها الخارجي.@ بوابة ليل الشتاء الاقرب لنفوس العاشقين فعقارب الساعة تبدو بطيئة جدا.. ولغة العيون والصمت اكثر تعبيرا وعمقا من لغة الكلام، فهمسات زخات المطر تغني العشاق عن مفردات العشق المتيم، واصوات الرعد والبرق هي طبول الشرق والفرح لمساءات العاشقين.@ في مساءات الشتاء يكون شراء الوداع باهظ الثمن، وطلوع خيوط الفجر مساومة ترفضها قلوب المحبين العطشى، وتكون مساحات البوح ثورة على مشهيات الزيف تحت محكمة المدفئة، وتكون محطة الحنين مسحورة بمواصلة عزف واكتمال لحن، وعواصف الحزن تذوب في غابات الفرح الاتي من السماء، فالنفوس كما الارض ترتوي بهدايا السماء في فصل الشتاء.@ شلالك ياليل الشتاء نداء يكتمل رغم جزر الامطار.. نداء يرفض رخام النهار.. نداء يرفض النوم بلا أحلام.