د. خالد بن سعود الحليبي
مسكين أيها الإنسان .. لا تزال تركض في هذه الحياة في كبد متواكب، يأخذ بعضه برقاب بعض.تتعثر بك الطريق فتنهض من جديد نافضا أسمال الإرهاق، تستنزف آخر قطرة من قطرات أنفاسك.. فإلى أين أنت ذاهب؟؟إنني لست أرثي لك حين أجدك تتعامل مع هذه الحياة الدنيا وأنت تعلم حقيقتها، فهي حقا تستحق أن تعاش، وأن يبذل في إعمارها، دون أن يكون في هذا النشاط المبذول، ما يخدش الحياة الحقيقية المنتظرة بعد أن تغمض العين آخر طرفة لها؛ لأنك حين تفعل ذلك تكون قد فهمت جيدا معناها، وبطبيعة الحال سوف تستلذ بكل عقباتها وكأنها لعبة جميلة الألوان، وإن كانت خطرة.. فللمغامرة عذوبة، وللإنجاز بعد التعب لذة لا يعرفها إلا المبدعون.ولكني أرثي لك حين أراك تتجاهل حقيقة هذه الحياة اللعوب، التي لا تفتأ تأخذك يمنة ويسرة في مسارات مليئة بالخلابات والمغريات، وتوجه نسمات حياتك في تيار معنى خادع، يغريك به شبابك، أو مالك، أو جاهك، أو رغبتك وشهوتك، أو طموحك، أو عداوتك، أو... فتكون خطواتك هي مسامير نعشك حين تنسى نفسك بين فكي تمساح مدرب، مأمون العواقب كما يتوهم النظارة، وما هو إلا أن يسيل عرقك، فتشمه أنياب التمساح، وهناك تستيقظ غرائز الافتراس فتـ(..). أيها الإنسان.. ما غرك بربك الكريم ؟ الذي خلقك ... وهو ـ وحده ـ القادر عليك.. حتى أراك تظلم إذا قدرت، وتذعن إذا هزمت، تتغطرس حين تقلب بين يديك نعمة الله، وتتكسر أجفانك ذلة حين يعضك مرض لا تستطيع دفعه ؟!أو ما علمت أن من منحك النعمة، يستطيع أن يحيلها نقمة؟!أو تجهل أن كل ما في يديك من عتاد وأموال هو تركة من قبلك؟!فأين ذهبوا ؟ وإلى أين وصلوا؟نعم توقف قليلا.. بل كثيرا وأنت تعبر هذه القنطرة الرقيقة الخطرة.هل تصدق أننا كثيرا ما نتطارح أمور الدنيا لنحل أزماتها، ونترقى في طبقاتها، حتى لتصبح المرفهات عندنا لها حكم الضرورات؟!ألست ترى كم نشقى ليزداد دخلنا الشهري؛ لا لنأكل، ولا لنلبس، ولا لمجرد أن نسكن، ولكن لنأكل مثل فلان، ونلبس مثل علان، ونسكن بيتا لم يسكنه أحد آخر غيرنا؟!تعب متواصل ننسى فيه أطفالنا وهم يمرون بأخطر مراحل التشكل، التي ينبني عليها العمر كله، وراحة أجسادنا حتى تكل وتخزن جذورا لأمراض تنمو شيئا فشيئا حتى إذا ولت زهوة الشباب نبتت أشواكها وصرنا من رواد المشافي الدائمين، وطمأنينة أرواحنا التي فقدناها في محاريب الصلاة، وبن ردهات الحرمين الشريفين.. كل ذلك لأنه لايوجد وقت لكل هذا.. فلماذا؟إن في التعب راحة .. حين يكون مساره صحيحا.. فأية لذة دون تعب؟ولكن لا راحة في التعب حين يكون لهاثا وراء السراب؟!فالذين يعملون ليل نهار لكسب المال، لاسيما حينما يعمل الزوجان معا بنهم شديد، فإن عوامل التعاسة والكآبة تلاحقهم مدى العمر، فمرحلة الشباب وهي المرحلة التي يتمتع فيها الإنسان بملذات الحياة المباحة، تمر بهما وبأسرتهما وهم عنها مبعدون، لا يسمعون أطيارها، ولا يتمتعون ببساتينها، ولا يتنفسون مباهجها!.فما فائدة كل هذا اللهاث إذن!!توقف.. لتلتقط أنفاسك .. لتفكر مليا .. هل ما تفعله الآن صحيح؟؟