صحيفة اليوم

د. وسمية عبد المحسن المنصور

قديما عندما كنا صغارا ونحن نسترخي في السيارة , وهوس قراءة كل ما يمرق امام اعيننا في الشارع, كنا نرى لافتات تقتحم العين تحمل عبارة قيادة السيارة فن واخلاق, كثيرا ما سألنا الكبار ممن يقودون السيارة عن معنى هذه العبارة. لم تكن الشوارع تعج بالسيارات كحالها اليوم ولم تكن الانانية قد استشرت في نفوس قائدي السيارات ,وكان قائد السيارة حريصا على مركبته يدللها يعتني بنظافتها فالقلة فقط كانوا يمتلكون سيارات لذلك تجد قائد السيارة يسير متبخترا متئدا يحرص على سلامته وسلامة سيارته.اما اليوم فواقعنا المعاصر فرض تكدسا في عدد السيارات في الشوارع وكثير ممن يقود السيارة حصل عليها دون مشقة فإما ان يكون ابنا غريرا مدللا يحصل على ما يريد فاذا دمرت سيارته (ففداه) ويعوض عنها بغيرها ونمط آخر من فئة قائدي السيارات هم العمالة المستأجرة وهي فئة تحكمها عند القيادة سياط انظمة العمل , التي ينتسب اليها من مواعيد او نسبة في تحصيل الدخل مثل سائقي الأجرة (اللموزين) مثل أولئك وهؤلاء تجدهم في عجلة من أمرهم يجوبون الشوارع تقودهم مصالحهم فيغيبون عن آداب القيادة وفنونها (ومال عمك لا يهمك).ما رأيكم بما نعانيه من تلك السرعة المجنونة في القيادة كأنما الشارع ممتلكات شخصية لهذا القائد المتهور فلا حق لأحد إلا بعد ان يجتاز. وهو له الحق أن يتلوى في سيره غير آبه بمن بجانبه أو امامه وله الحق كل الحق أن يقرر في اي لحظة الانعطاف المفاجئ من أقصى اليمين الى اقصى اليسار وبالعكس أليس هو من يملك الشارع؟ كما أن له الحق في التوقف المباغت وعلى الآخرين مراعاة فروق التوقيت؟قيادة السيارة لها وجهان: فن ويعني الالتزام بقواعد المرور التي أصبحت نكتة عصرية عند السائقين المتهورين فليس كل من أمسك المقود قد تمكن من قواعد القيادة. أما الأخلاق التي تمثل الوجه الآخر للقيادة فهي ما يتصل بسلوك القائد مع الآخرين. شق منها مرتبط بفن قيادة السيارة ومعرفة القواعد وشق يعكس تربية اخلاقية. اذكر عندما نكون في الطريق كنت الفت نظر أطفالي للحكم على السائقين فكنا نتخذها لعبة اذا رأوا تصرفا اخلاقيا نبيلا حكموا ان هذا القائد (متربي) واذا كان العكس حكموا أنه (غير متربي) ومن أنماط السلوك المشين ان ترى أحدهم مسرعا يقطع الاشارة الحمراء والناس وقوف, او ترى احدهم ممن توقف عند الاشارة قد قتح الباب وبصق على الارض أو تمخط غير مبال بمشاعر الآخرين, وغيره ممن لا يحلو له التدخين الا اثناء القيادة ومن ثم رمي عقب السيجارة في الطريق والسيارات تمر بجانبه فلنتخيل لو أن احداها كانت مما يسرب الوقود انها كارثة حقا وآخر قد تقدم الجميع عند الاشارة الحمراء لكنه في وقفته قد تجاوزها قليلا فلا ينتبه الى انها قد اخضرت إيذانا بالانطلاق ولعل المسكين قد غط في اغفاءة في الصباح الباكر مما يربك رتل السيارات خلفه المسرعين الى مدارسهم واعمالهم, وآخر لا يحلو له إلا التقدم على غيره فلا بأس أن يقفل فتحة الانعطاف الفرعي وعلى من يريد الانعطاف ان يبلع الحجر!أضف الى ذلك ما يحلو لبعض الشباب من التسامر والحديث بين سيارتين متجاورتين دونما اكتراث لمن يريد ان يجتاز فحديثهم الفارغ أهم وأولى من مصالح الآخرين, وكذلك اشباع رغباتهم الشخصية بالاستماع الى تلك الاغاني الهابطة وعلى الجميع فرض مشاركتهم فصوت المسجل او المذياع مما يقتحم عليك سيارتك حتى لو كانت مصفحة , وخذ ايضا السلوك الاناني في المواقف فأحدهم يقف كيفما اتفق وآخر لا يكترث بالخطوط الأرضية فيحتل مكان سيارتين وآخر يقف خلف سيارة زاعما أنه لن يتأخر وعلى غيره التحمل والانتظار.أليست تلك التصرفات تفصح عن قيم أخلاقية سلبية استقرت في نفوس قائدي السيارات ألسنا في حاجة الى تنمية الشعور بأن القيادة فن وأخلاق؟ ألا يستحق هذا أن يكون موضوع درس القراءة والتعبير بل من المحاور الأساسية في درس التربية الوطنية. إن ما تخسره الأمة من أرواح الشباب نتيجة الحوادث وما يرهق اقتصاد البلاد يمكن التقليل منه بعمل سياج وقائي يبدأ بالتربية الأخلاقية وبالوعي المروري.