صحيفة اليوم

سوق الأسهم السعودي آفاق وتحديات

سوق الاسهم السعودي في اتجاه تصاعدي منذ سنة 99م وكان الصعود الاكثر اهمية 78% قد تحقق العام الماضي نتيجة عوامل عدة اهمها تماسك اسعار النفط وارتفاع ربحية الشركات المساهمة القيادية وعودة جزء من رؤوس الاموال الموظفة في الخارج وطرح اسهم شركة الاتصالات للاكتتاب العام والاصلاحات الاقتصادية وجذب الاستثمارات الاجنبية وما زال السوق يحقق معدلات قياسية منذ بداية العام لم تتحقق في تاريخ سوق الاسهم السعودي وبنسبة صعود تفوق 25% تقريبا.ويتساءل الكثيرون عن سر هذا الصعود المتواصل... وما المبررات الموضوعية والمعايير الاقتصادية لهذه الارتفاعات القياسية؟ هل هناك اسس قوية تدعم استمرارية وتماسك السوق؟ ام ان الامر لا يعدو مجرد مضاربات ليس لها اسس وقواعد ثابتة؟وهذه النظرة لا تقتصر فقط على المتعاملين في السوق وانما يرددها بعض الاكاديميين في مقالاتهم ودروسهم حيث يرددون ما يقوله العامة من ان السوق ليست له قواعد ولا معايير اقتصادية تحكمه وقد سمعت هذا الكلام من احد الاساتذة في جامعة الملك سعود في منتصف التسعينات فقلت في نفسي ان الدكتور ربما دخل مستثمرا ومني بخسائر وحتى لا يعترف بعجزه في فهم المتغيرات الاقتصادية التي اثرت على السوق فلابد من البحث عن شماعة يعلق عليها فشله كما هو دارج في ثقافتنا حيث نرفض الاعتراف بالفشل ولا نقوم بمراجعة موضوعية لقراراتنا الخاطئة.في البدء اتفق مع القائلين ان السوق يحتاج الى عملية تصحيح والتقاط الانفاس وربما السوق فعلا قام بعملية تصحيح يوم الاربعاء الموافق 21/4/2004م عندما انخفض المؤشر الى مستوى 5400 بعد ان صعد الى مستوى 5616 كاعلى نقطة وبالتالي قوى الشراء وجدت انها فرصة سانحة لاقتناص الفرص خصوصا بعد تصريح وزيرالنفط السعودي في اليوم التالي الذي اشار فيه الى امكانية رفع الطاقة الانتاجية للمملكة الى مستوى 12 مليون برميل في اليوم تلبية للطلب المتزايد على النفط ومحاولة تهدئة الاسعار وجعلها في النطاق السعري لمنظمة اوبك مما دفع قوى الشراء للدخول بقوة ومن ثم استعادة المؤشر 100 نقطة.وتتمثل العوامل الاقتصادية الهامة فيما يلي:1- الارباح القوية: احد العوامل المهمة والرئيسية التي يرتكز عليها السوق كقاعدة صلبة في صعوده المستمر هي الارباح التي تم تحقيقها في عام 2003م والمتوقع تصاعدها في العام الحالي في ظل المؤشرات المالية التي اتضحت معالمها من خلال النتائج الفصلية ربع السنوية والمعطيات الاقتصادية للاقتصاد الكلي والتي سوف اشير اليها لاحقا. ففي دراسة حديثة للبنك الاهلي التجاري تشير الى ان 42 شركة مساهمة مدرجة في سوق الاسهم اعلنت نتائجها من اصل 71 شركة حققت زيادة في الربحية بلغت 3ر60% حيث حققت 40 شركة منها نتائج ايجابية وصلت الى 2ر30 مليار ريال (1ر8 مليار دولار) مقارنة بصافي ارباح بلغت 8ر18 مليار ريال (5 مليارات دولار) للعام 2002 وتشير الدراسات الى ان هذه الشركات قامت بتوزيعات كبيرة بلغت 3ر69% من صافي الدخل لعام 2003م وصلت حجم المبالغ الموزعة على المساهمين الى 3ر21 مليار ريال بنسبة زيادة عن العام الماضي 2ر55% وتمثل هذه الشركات التي اعلنت نتائجها مبلغ 40ر613 مليار ريال في نهاية فبراير 2004 بنسبة 4ر95% من اجمالي حجم السوق في حين يمثل حجم الشركات الـ 29 المتبقية 5ر29 مليار ريال بنسبة فقط 6ر4% من قيمة الحجم السوقي الاجمالي البالغ 643 مليار ريال, وتمثل هذه الشركات ما يطلق عليه بشركات المضاربة وهي الشركات التي يتشبث بها المغرمون بنظرية المؤامرة في تحليل حركة السوق السعودي ويتجاهلون الشركات القيادية التي تمثل الثقل الاكبر في حركة المؤشر العام صعودا وهبوطا مثل شركة سابك التي بلغ صافي ربحيتها 5ر8 مليار ريال بزيادة 4ر140% مقارنة بالعام الماضي والاتصالات السعودية التي بلغ صافي ربحيتها 7ر6 مليار ريال بزيادة نسبتها 8ر135% مقارنة بالعام السابق وتمثل ربحية الشركتين 50% من اجمالي الارباح المحققة في العام 2003م كما تشير الدراسة آنفة الذكر. كما ان شركة سابك والاتصالات تمثل اكثر من 40% من حجم المؤشر العام للسوق.2- ارتفاع الطلب العالمي على النفط: احد المرتكزات المهمة والتي تشكل قاعدة قوية للسوق السعودي وهو مرتكز يرفضه معظم المتداولين في السوق الى ان حدثت كارثة اسعار النفط سنة 1998م وانهار بسببها سوق الاسهم في ذلك الوقت واستمرا الانهيار الى مطلع عام 1999م وبعد ان نجحت منظمة اوبك في وضع اتفاقها مع المنتجين من خارج اوبك موضع التنفيذ في شهر مارس ومن ثم تحسنت اسعار النفط ارتفعت على اثر ذلك اسعار الاسهم السعودية عندها بدأ بعض المتداولين يدركون اهمية العامل النفطي بالنسبة لسوق الاسهم السعوديه والخليجيه.اذ كما ان اسعار النفط المرتفعة تشكل عاملا سلبيا بالنسبة للاقتصاديات الاخرى حيث تؤكد الدراسات الاقتصادية ان كل عشرة دولارات زيادة في اسعار النفط تتسبب في انخفاض نصف نقطة مئوية في الناتد القومي الامريكي, فهي في نفس الوقت عاملا ايجابيا للاقتصاديات المعتمدة على النفط كمصدر رئيسي واساسي لايراداتها.فقد اكد صندوق النقد الدولي استفادة الدول النفطية من التحسن الكبير في اسعار النفط الى جانب ارتفاع الطلب وهو الاهم مع انتعاش الاقتصاد العالمي وقد حدد الصندوق نسبة النمو في الدول المصدرة للنفط في المنطقة 4ر6% للسعودية و7% للامارات و9ر9% للكويت وتشير توقعات صندوق النقد الدولي الى نمو نسبته 1ر4% لعام 2004م.كما تشير الدراسات الاقتصادية الى ارتفاع الطلب العالمي على النفط بمعدل 8ر1 مليون برميل سنويا وسوف يبلغ 121 مليونا اجمالي الطلب العالمي في عام 2025م نتيجة التوسع المتصاعد للاقتصاد الاسيوي خصوصا الصين والهند اللتين تنموان بوتيرة متصاعدة بنسبة بلغت من 7 الى 8% سنويا.هذه الارقام تؤكد اهمية النفط السعودي وحاجة الاقتصاد العالمي للطاقة الانتاجية التي تتمتع بها المملكة التي اشار اليها وزير النفط السعودي المهندس علي النعيمي وتأكيده على قدرة المملكة على رفع طاقتها الانتاجية الى 12 مليون برميل يوميا, هذا يعني انه في حالة تصاعد اسعار النفط سوف تلجأ منظمة اوبك الى زيادة انتاجها لضمان بقاء الاسعار في النطاق السعري والمملكة هي الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة بشكل اكبر تلبية حاجة السوق لان اغلب الدول هي تعمل بكامل طاقتها الانتاجية في الوقت الحالي وبالتالي زيادة الطاقة الانتاجية سوف يدعم الاقتصاد السعودي ويزيد الناتج القومي مما ينعكس بشكل تلقائي على ربحية الشركات المساهمة خصوصا شركة سابك لان اسعار البتروكيماويات تزدهر مع ارتفاع اسعار النفط.كما ان العجز المقدر في الميزانية العامة سوف يتلاشى كليا في حال بقاء اسعار النفط فوق الثلاثين دولارا ويتبدل الى فائض يسهم في زيادة نسبة السيولة النقدية في الاقتصاد وهو ما يتوقعه المداولون مبكرا قبل صدورها من المؤسسات المالية التي تحظى بمصداقية كبيرة مثل تقرير مجموعة سامبا المالية (البنك السعودي الامريكي سابقا) النصف سنوي.3- زيادة المعروض النقدي وهو عامل وثيق الصلة بالعامل السابق حيث العلاقة طردية بين اسعار النفط والمعروض النقدي فكلما ارتفعت اسعار النفط زاد المعروض النقدي واذا انخفضت اسعار النفط انخفض المعروض النقدي في الاقتصاد السعودي, فقد حقق عرض النقد (ن 2) خلال شهر فبراير الماضي رقما قياسيا لم يسبق تحقيقه حيث بلغ 3ر345 مليار ريال بنسبة زيادة عن الشهر المقبل من عام 2003م بلغت 8ر9% والبالغة 3ر314 مليار ريال.واوضحت الاحصائيات الحديثة التي اصدرتها مؤسسة النقد قبل ايام ان عرض النقد (ن 3) بلغ 4ر421 مليار ريال مقارنة مع 7ر383 مليار ريال في الشهر المقابل ووصل حجم النقد المتداول خارج المصارف بنهاية شهر فبراير من 2004م الى 6ر56 مليار ريال مقابل 2ر54 مليار ريال في الشهر المقابل في حين بلغ حجم الودائع تحت الطلب خلال فبراير الماضي 7ر174 مليار ريال.وتعد الودائع تحت الطلب احد المؤشرات الرئيسية التي يرى الاقتصاديون ان لها علاقة بارتفاع اسعار الاسهم وهي تشكل الحسابات الجارية لدى البنوك وتعطي مؤشرا على قدرة اصحاب على زيادة انفاقهم الاستهلاكي وزيادة مجالات استثماراتهم في اي مجال اذ انها تمثل السيولة النقدية الجاهزة للصرف التي يمكن لاصحابها سرعة توجيهها الى مجالات الاستثمار الاخرى وفي ظل انعدام الفرص البديلة يتم ضخ جزء كبير من هذه السيولة في سوق الاسهم بسبب العوائد المرتفعة مقارنة بنسب الفائدة على الودائع الادخارية.4- قرب اعلان هيئة سوق المال: لاشك ان قرب اعلان هيئة سوق المال كما صرح بذلك وزير المالية الدكتور ابراهيم العساف يعطي دفعة قوية لصناع السوق بالدخول بقوة وتحريك الاسعار الى اعلى نتيجة التفاؤل بزيادة الشفافية وترسية ضوابط اكثر عمقا لتنظيم السوق المالي على اسس حقيقية تزيد من تكافؤ الفرص بين المتداولين والحد من اختراق النظام لمصلحة بعض النافذين في السوق.وتشكل مجموعة هذه العوامل الاقتصادية والمؤشرات المالية الهامة قاعدة اساسية لانطلاقة السوق فيما مضى وصمام امان ضد اي انهيار قوي او سريع الا في حالة طرأ أي تغيير جوهري على اي منها.وبالنظر الى اقفال السوق يوم الاثنين 3/5/2004م الذي بلغ فيه المؤشر 5721 نقطة فان السوق يتجه الى مستوى 6000 نقطة حسب التحليل الفني ولكن ينبغي اخذ الحيطة والحذر من اسهم المضاربة التي ارتفعت اسهمها باكثر من قيمتها الحقيقية والتي يمكن ان تحدث فيها عمليات جني ارباح كبيرة خصوصا الشركات التي مازالت تحقق خسائر رغم تحسن الاوضاع الاقتصادية.محمد يوسف الزاكي ـ دبلوم عال ـ ادارة بنكية