د. محمد عبدالرحمن الدوغان

هجريات

نظراً لقدومي للتو من مدينة الضباب (لندن)، التي لا يتوقف عنها المطر، ونظراً لعدم مقدرتي على التأقلم في الأسابيع الأولى من قدومي، نتيجة التركيز في هذا البلد على الأكلات النباتية، ونتيجة الانضباط المستميت في قيادة السيارات حتى أنك تكاد ترى السائقين يستغنون دائما عن العين الساهرة في تنظيم حركة السير، وان الأحساء ـ كما قال لي الزميل الدكتور سامي الحسن ـ استقبلتني استقبالاً حاراً، يقصد هنا فصل الصيف، كل هذه الأمور أدت إلى وجود مغص وصداع شديدين، وتعلمون بقية الحكاية، ولكن حرارة اللقاء بالأحباب والعودة إلى الوطن أنستني جميع الهموم الدراسية التي كانت تكبلني، خصوصاً في نهاية المطاف، عندما يجتمع عليك القوم ليقولوا (مبروك) أو (إلى لقاء آخر). والحمد لله كانت نتيجة اللقاء (مبروك)، وأتمنى ان تكون هذه نهاية الغربة إلى الأبد.وددت حينها ان أقبل هذه الأرض الطاهرة التي أحمل إليها كل الأشواق لألتفت إلى بني جلدتي لأخدمهم في بلدي، ووددت كذلك لو ان سحابة كثيفة محملة بعبق الماضي تحمل لي ذكريات الصغر عن موطني "الكوت"، مسقط رأسي، لتعيد ليّ ذاكرة الزمان والمكان عندما كانت القلوب تهفو إليها وتكتحل العيون برؤيتها، لا تعكر صفوها مقاهي الإنترنت ولا عوادم السيارات عندما كانت الكوت موطن العلماء والأدباء والمثقفين الذين هجروها وهجرتهم، وأصبحت الآن بقايا أطلال متناثرة تشتكي هل من مجيب، وأسحب البساط من الكوت العزيزة معتذراً ومعترفاً بالقصور لكي أشيد بهذه الجهود المخلصة وهذا التطور السريع الذي تشهده هذه المحافظة، فالأحساء اليوم ليست أحساء ثلاث سنوات مضت، فالتطور العمراني والخدمات والمشاريع البلدية والخاصة والمهرجانات والمعارض والأسواق كلها شاهد حي على الازدهار المستمر الذي تعيشه هذه المنطقة.ولا يزال أبناؤنا وبناتنا يتعطشون للمزيد من التطوير، لإبراز الدور الحضاري والتاريخي والأثري والسياحي والترفيهي لهذه البقعة العزيزة من بلادنا، وما نراه الآن من برامج وإنجازات جبارة تحتفل بها الأحساء ما هو الا نتيجة جهود مخلصة تهدف إلى الارتقاء بهذه المحافظة ودعم لا محدود لمسيرتها النهضوية المباركة، وما علينا جميعاً الا ان ندعم هذا التوجه، ونشارك فيه بكل ما نستطيع من مال وجهد ووقت، لكي نقدم جزءاً يسيراً مما تستحقه الأحساء علينا. فإلى الأمام دائماً وإليكم أيها المخلصون وساماً على صدر كل واحد منكم، فبتكاتف الجهود تزدان المدن وتتطور لتعكس قيمة المواطن السعودي الذي يعيش قفزات التنمية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.