خصوصية الذكرى ونمط الاحتفال
يجسد اليوم الأول من الميزان, 23 سبتمبر , من كل عام مرحلة فاصلة في تاريخ تطور المجتمع السعودي شكلت في مضمونها وحدة وطنية رسم معالمها ووضع أسسها الملك عبد العزيز - يرحمه الله - بتوحيده وإعلانه للمملكة العربية السعودية. هذا اليوم, الذي يعتبره المجتمع السعودي اليوم الوطني, يحمل رؤية خاصة ترتبط فيه خصوصية الذكرى بنمط الاحتفال. ذكرى التوحيد الذي أرسى قواعد هذه الدولة على مبادئ الشريعة الإسلامية كمنهج متكامل للحياة بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حياة ارتكزت على هذه البمادئ وعملت على تفعيلها وتطويعها بحيث تتلاءم مع معطيات العصر ومتطلبات التغيير في نمط فريد يحافظ على الثوابت ويتعامل مع الواقع بموضوعية وتدبر وتعقل. وهنا تكمن خصوصية الذكرى التي تعيد إلى الأذهان مرحلة التأسيس وتستشرف من أصولها رؤية مستقبلية تتسم بالعقلانية والشفافية يعكسها أسلوب الاحتفال, فيكون نمط الاحتفال باليوم الوطني بمثابة الوقفة المسئولة مع الذات. وقفة ترصد الإنجاز وتتطلع إلى مواصلة الركض سعيا لتحقيق مكاسب تنموية أخرى توفر للمجتمع السعودي حياة تليق بخصوصيته كمكة (لخير أمة أخرجت للناس).ورصد الإنجاز مهمة صعبة في دولة شمل الإنجاز فيها كل جوانب الحياة في المجتمع. وإذا كانت الإنجازات السياسية والاجتماعية والفكرية يصعب في الغالب رصدها بمعايير الأرقام, فقد يكون من الأيسر رصد الإنجازات الاقتصادية التي يمكنها أن تجسد المنظور الكلي للإنجاز الكبير الذي تمتع به المجتمع السعودي منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة على يد الملك عبد العزيز.الاقتصاد السعودي هو الأكبر عربيا وهو أحد الاقتصادات المؤثرة على الساحة الاقتصادية الدولية بما يرتكز عليه من مقومات ومكونات تمكنت الحكومة السعودية من تطويره وتسخيره لخدمة الإنسان السعودي وبناء المؤسسات الاقتصادية الحديثة التي تمكنت بدورها من خلق هيكل اقتصادي حديث يمتلك مقومات النمو في قطاعات إنتاجية تجاوزت الشكل التقليدي لاقتصاد يعتمد على البترول كمصدر وحيد للدخل القومي, إذ تطورت مساهمة القطاع الخاص لتشكل جزءا مهما من مكونات الناتج المحلي, وتنوعت مصادر تكوين الدخل فيه لتشمل قطاعات الصناعة والخدمات.وإذا كانت ذكرى اليوم الوطني فرصة سانحة لتقويم ومراجعة الأداء والتطلع إلى مستقبل أفضل, فلعل في مراجعة حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد السعودي حاليا ما يحقق ذلك, إذ شهد الاقتصاد السعودي وتعايش وتفاعل خلال السنوات القليلة الماضية مع حزمة من الإصلاحات الاقتصادية بدأت بتفعيل دور مجلس الشورى وإنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة وإعادة تشكيل المجلس الأعلى للبترول والمعادن, وتطوير بعض الأنظمة الاقتصادية والإدارية ومنها نظام الاستثمار الأجنبي, وهي في مجملها عملية إصلاحية استراتيجية تهدف إلى تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية وتهيئة الاقتصاد السعودي لمرحلة العولمة واستحقاقات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وعصر الانفتاح الاقتصادي. هذه هي خصوصية ذكرى اليوم الوطني في المملكة العربية السعودية التي تجعل هذا اليوم مرتكزا للانطلاق نحو المستقبل برؤية تجمع الثقة بالتفاؤل وترسم لوحة مشرقة يفوح منها عبق الماضي وزهو الحاضر.* رئيس دار الدراسات الاقتصادية