الهجمة الإعلامية الغربية ضد الإسلام والمملكة
ان علاقة العالم الاسلامي وبخاصة العالم العربي مع الآخر لم تكن خلال القرن الميلادي الماضي وحتى ما قبله تعيش الهدوء والثبات دون تقلب ومد وجزر.. كانت هذه العلاقة تشبه كل فصول السنة من حرارة وبرودة واعتدال.. لعبت الظروف السياسية والدولية والتوازن بين القوى قبل سقوط الاتحاد السوفيتي دورا رئيسا فيها.. كما كانت المصالح من ابرز محددات هذه العلاقة في وقت لم تكن فيه الإملاءات ممكنة بحكم توافر فرصة الاختيار.. اضافة الى ان الامة العربية كانت في ظاهرها كتلة واحدة.. او هكذا ينظر لها بصرف النظر عن الخلافات البينية.. حتى كانت نكبة 1967م ثم (ام المصائب) عام 1990م عندما تحكم النزق والهوس والغباء السياسي في سلوكيات بعض الزعماء العرب افرزت انهيارات قاتلة فضربت الهيبة العربية والقيمة وحتى التاريخ.. ضربت في مقاتل طرحتها الفراش فأغرت فيها الآخر.. وتجددت بالمكشوف اطماعه.. وتحركت آلة صوته وافعاله.. وجاء الحادي عشر من سبتمبر 2001م. فتغير العالم رأسا على عقب.. لم يكن كما كان قبل ذلك.. شهدنا متغيرات كثيرة.. وافرازات طالتنا شرورها.. وانكشفت نوايا وافعال قد لا تكون حديثة النشأة ولكنها وجدت الفرصة السانحة للظهور الى العلن.. بجرأة عمياء.. واندفاع لا يستحي.. لتحقيق مآرب ومقاصد ليس بالضرورة انها جديدة.. هناك من هذه المقاصد ما يستند الى التاريخ ويجتر وقائع كنا نعتقد ان الذاكرة المعاصرة قد نسيتها.. وان الخلافات او الاختلافات التاريخية قد عفى عليها الزمن.. واصبحت في عالم النسيان.. وهناك مقاصد حركتها عوامل الاقتصاد.. وذلك ان اطماع القوى الكبرى في الثروة المتوافرة دافع للامساك بالعصا من الطرف والنفخ في النار والبارود لانتزاع ارادة التحكم في المصادر الاقتصادية.. وهناك مقاصد النظرة الفوقية التي لا تحكمها اخلاق وقيم.. منطلقها قوة الأنا واسقاط الحكم على الاخرين بعدم اهليتهم في المشاركة والحياة الكريمة.. وهناك المقاصد السياسية بحكم القوة والتفرد في الساحة للهيمنة على المقدرات والفكر والرأي السياسي وفرض التبعية.. وقبل هذا وذاك لا نستطيع بأي حال من الاحوال اسقاط او تجنب البعد العقدي.. وهذه اشكالية تفت عضد اي مفكر في السلام والاستقرار العالمي.. اي مفكر يحلم ببيئة عالمية يسودها الوئام والتعايش في اطار انساني.. يحفظ للفرد والامة ايا كانت معتقداتها الكرامة والحياة الآمنة المستقرة.. وما ذكر سالفا ليس الا ما اعتقد انه الاساس.. اذن ـ ايها الافاضل ـ المقاصد كثيرة للهجمة الاعلامية الغربية ضد الاسلام والمملكة.. سواء ما كان منها تاريخي او معاصر.. وقد لا يكون من المناسب في هذه الندوة الكبيرة في موضوعها.. القصيرة في وقتها.. تفكيك هذه المقاصد وتحليلها.. غير ان ما يمكن التأكيد عليه هو ان الآخر كشف رأسه واعلن اهدافه.. وجاهر بصوته.. وماض في طريقه لما يعتقد ان يحققه من اهداف.. وبكل اسف انه يملك ادوات صناعة رسالته بصرف النظر عن معايير الحق والباطل.. ويملك ادوات الوصول الى الناس اينما كانوا وايا كانت مشاربهم وفي المقابل ـ بكل اسف ايضا ـ يقف العالم العربي الاسلامي في خانة الاضعف فعلى الرغم من امتلاكه مقومات الحق.. وقوة الحجة.. وصدق المنطلق.. فهو يبدو عاجزا الى درجة كبيرة في التعامل مع الصناعة الصحيحة للمضمون.. وفقا للمكونات الاساس للمجتمعات العقدية والفكرية والسياسية والمعرفية في عمومها.. وان حالفه الحظ واسعفته القدرة على صناعة المضمون أخفق في الوصول الى مستهدفه من مجتمعات الآخر.. اما لعدم امتلاكه الوسائل الاعلامية العالمية باللغات الحية للوصول الى مبتغاه او لضعف وسائله.. فانكفأ داخليا يخاطب نفسه بنفسه بمضامين تدفع مجتمعه في معظم الاحيان الى الهروب الى ساحة الآخر متلقيا ومن ثم متأثرا.. وهنا تكمن اشكالية اخرى.. فبدلا من مخاطبة الامة للاخر لتصحيح مفاهيمه وتجسيد الحقائق واجتذابه الحق وتجنيبه الباطل.. فقدت مجتمعها واسهمت في تغريبه عن غير قصد.. وهو الامر الاكثر خطورة.. مكمن الخطورة ان تبتعد المجتمعات عن بيئة النشأة ومصادر التكوين.. لتخرج من عباءتها لترتمي في احضان الآخر.. هذا في رأيي ما يجب التنبه له.. وذلك ما يستوجب التميز في صناعية المضمون.. وامتلاك الوسائل.. والقدرة على التعامل الصحيح معها وهذه ليست دعوة الى الانعزالية والانغلاق على الذات.. وانما ليكون الانفتاح على الآخر مبنيا على وعي ومعرفة وقدرة على التميز والاختيار.. نحن نعيش في عالم تميز بصناعة تقنية الاتصالات.. فانهارت مع ذلك كل الحواجز التي تفصل بين المجتمعات.. الغيت الحدود الجغرافية.. وتلاشت المسافات.. ولم تعد للمجتمعات القدرة على الحياة في خصوصية تبعدها عن الآخرين.. لم يعد في المقدرة تغطية الفضاء المكشوف.. او الغربلة للفرز بين الغث والسمين.. لم يتبق للمجتمعات الا التحصين بفعل ما تصنعه من رسائل تلقى الاجتذاب والقبول والتأثير في التكوين الثقافي لافرادها.. والتنافس في ساحة المتلقين بجودة اعلامها وتميزه.ايها الاخوة:كان لابد من التفكير في الذات ونحن نتحدث عن الآخر فليس من الانصاف تبرئة النفس في محاولة لادانة الاخر.. فحدوث الهزيمة لابد له من شرطين شرط القوة وشرط الضعف.. الانتصار للقوي والهزيمة للضعيف.. هذه حقيقة لا جديد ولا جدال فيها.. غير اننا في العالم العربي لا ننظر الا من زاوية واحدة.. زاوية التذمر من القوى واللجوء الى الشكوى واللوم والاتهام دون النظر الى مكامن الضعف فينا وعلاجها.فالحل لا يستجديه من الخصم الا الضعيف.. ذلك الذي انهارت قواه وتهاوى العزم فيه.. وتمكن الاحباط منه.. ويخطىء من يعتقد ان الخصم القوي سيجود بما لا يعزز انتصاره.. ويحقق اهدافه.. ولم يرو لنا التاريخ على الاقل فيما اعرف ان خصما قويا انصف من نفسه الاخرين طواعية.. او عدوا اغتصب بالقوة ملك آخر فتنازل له عن طيب خاطر من اجل عيون العدل والانصاف.. فمنذ عرفت الارض الصراع الانساني فان القوة ـ بصرف النظر عن الحق ـ هي من يحدد النتيجة النهائية.وفي رأيي وارجو ان يكون صوابا من محاسبة النفس لمعرفة جوانب القصور ومكامن الضعف هي ما يجب ان تسبق النظر في قوة الآخر.. هي اساس الحركة باتجاه ساحة الندية والبروز فيها وامتلاك اسباب المواجهة.. ولعل ذلك سيكون منطلق التعامل العربي مع قضاياه في الساحة العالمية.. وفي عصر يبدو ان مواجهة الاستقطاب.. وتشويه الحقائق وهيمنة القوى اصبحت سمة تتسع ابعادها مع اشراقة كل يوم.. في مثل هذه الحالة والحديث عن الهجمة الاعلامية الغربية ضد الاسلام والمملكة لا مفر من الاخذ باسباب القوة الاعلامية..فقد اصبح الاعلام القوة المهيمنة في تكوين الرأي.. وبناء التوجهات وبلورة المواقف.. قوة ادرك اسرارها الآخر.. فاستثمرها في تحقيق اهدافه في مجتمعه وعلى مستوى العالم.. قوة اتقن فنها فرسم الصورة التي يريد لنفسه ولاصدقائه ولخصومه.. اصبح الاعلام اداة المعركة في ساحة الفكر والرأي والمعرفة.. للهدم كما هو البناء.. وفقا للغايات المصممة سلفا.. هذه حقيقة مدركة.. الكل يعرفها.. المأساة ان هذا الادراك لم ينتج عنه فعل .. لم يتحرك الاعلام العربي الى مستوى المواجهة.. ظل يجتر نفسه في وقت الشدائد كما هو في وقت الرخاء.ولم يتوجه الى الاخر على اساس من المقدرة والكفاءة.. واقتصرت مخاطبته للامة على الاطراء والنقد وجلد الذات كما هو حال بعض الفضائيات العربية.. بل ان بعض وسائل الاعلام العربية اصبحت مصدرا للاحباط والانكسار و الشعور بالدونية.. وبعضها اصبح مؤازرا بادراك او بدونه لرسم الصورة الذهنية للانسان العربي المسلم التي اجاد تصميمها الاخر.. وهي الصورة التي يظهر فيها الانسان العربي.. انسانا ليس سويا ولا متحضرا.. وصلته بالعقل والعلم ضعيفة..والاهم من ذلك انه شيطان يحب لعق الدماء.. متهور لا يمكن الثقة فيه.. وهو في المجمل ارهابي بينه وبين السلام عداوة.. صورة سوداء ـ بكل اسف ـ بعضنا اسهم ويسهم في رسمها.. تجاوز عرضها بيئة الاخر الى ساحتنا لاقناع اجيالنا بها .. ونحن ـ بكل اسف مرة اخرى ـ نكتفي بالوقوف في خانة المتفرج والواصف والشاكي والطلب من الآخر الانصاف.. هذا لا يعني ان ليس لامتنا مواجهات اعلامية ملحوظة.. ومواقف مشرفة لايضاح الصحيح.. غير ان الفعل اقل بكثير مما يجب.. ولا يزال بعيدا عن الامال والطموح. ولم يكتمل بعد بما يستجيب لما نملك من حق وحقائق.. ومع هذا وذاك فلا يجب بأي حال من الاحوال ان نفقد الامل والطموح والثقة في ان بمقدورنا ان نفعل في ساحة الاعلام وننافس.وفي السياق نفسه ونحن في نهاية هذه المشاركة لماذا انبرى الاعلام الغربي في هجوم اعلامي على المملكة غير مسبوق..؟ ماهي مبررات ذلك..؟ولماذا نشهد اباطيل اعلامية لا صلة لها بالحق والحقيقة؟في الحقيقة ان البحث عن اجابة لهذه الاسئلة لا يمكن ان تكون في معزل عن المقاصد التي ذكرتها في صدر كلمتي هذه..فالابعاد العقدية والاقتصادية والسياسية هي الاثافي التي تقوم عليها هجمة الاعلام الغربي.. وجاءت الفرصة سانحة بعد اتهام نفر من السعوديين في احداث 11 سبتمبر..وليس صحيحا بل لا علاقة له بالمنطق ان نحاكم امة ونحكم عليها بفعل نفر منها قليل.. ففي كل المجتمعات ارهابيون.. الا انهم لم يكونوا عنوانا للأمة او معيارا للحكم عليها.. والا لكان المجتمع الامريكي ارهابيا بفعل ما وقع من الامريكيين في بلادهم وخارجها من اعمال ارهابية ضخمة وكذا بالنسبة لاوروبا.. العقل والمنطق لا يعمم الفعل خارج دائرة صانعه.. وذلك ما تؤكد عليه عقيدتنا السمحاء.. (ولا تزر وازرة وزر اخرى).. اذن.. مرة اخرى لماذا المملكة.. الاجابة طويلة.. الا ان ظروف الندوة والزمن المتاح لها لا يسعف على ذكر التفاصيل بكاملها.. ولذا فإن ما يمكن قوله باختصار هو ان المملكة مهبط الوحي.. وموطن اشعاع الاسلام.. وقبلة المسلمين.. وارض الحرمين الشريفين.. فكانت بذلك هدفا لخصوم الاسلام.. ومن اراد النيل من العقيدة لابد ان يتجه بسهامه الى موطن مصدرها.. وليس بخاف ان اعداء الاسلام كثر.. وان محاربيه لا يدخرون جهدا للاضرار به.. كان ذلك عبر التاريخ ولا يزال.. وفي ظل هذه الحقائق عانت المملكة كثيرا.. وشحذ اعداء الاسلام سلاحهم للاساءة للمملكة فقط بحكم علاقتنا الصحيحة والصادقة بعقيدتنا.. تاريخا وحاضرا والى ان تقوم الساعة ان شاء الله.. وامتدادا لهذه الحقيقة اصررنا على الاعتزاز بخصوصيتنا والحفاظ عليها دون انعزال عن معطيات العصر ومنجزاته.. وفي عالم هيمنة القوى والاخضاع للتبعية لا يعجب الاخر تميز امة بخصوصيتها.. فكان ذلك سببا آخر لما نشهده من هجوم اعلامي غير اخلاقي.. ثم تأتي مواقف المملكة من قضايا امتها العربية والاسلامية .. فالمملكة عبر تاريخها لم تعرف تغليب مصالحها الذاتية على مصالحها امتها.. تخبرنا الوقائع والافعال ان المملكة في المواجهة دائما لنصرة قضايا امتها قولا وفعلا.. قضية فلسطين احتلت صدر همها واهتماماتها.. وقفت مناصرة بكل طاقاتها.. عاشت قضايا امتها الاسلامية في كل مكان.. ادركت المملكة مسئولياتها نحو امتها.. فأوفت بمستوجباتها.. نافحت في المحافل نصرة لامتها.. وهذه مواقف لم تعجب الاخر.. فكانت الفرصة لشن حملته الاعلامية.. تحين الفرصة فوافته بعد احداث 11 سبتمبر.. استثمر الاعلام الغربي الحدث على غير وجه حق.. فانهال هجوما على وطن التزم بالاسلام والسلام.. والانتصار للحق والحقيقة ومع ان هذه الهجمة الاعلامية الظالمة لن تجد لها صدى لدى المواطن والملتزم بالحق والمدرك لحقائق المملكة .. الا انه لا يمكن الانكار ان تشويها متعمدا قد اصاب الصورة.. وبخاصة في مواطن هذه الهجمة.. وان الحملة الاعلامية متواصلة لرسم صورة لبلادنا لا صلة لها بالواقع.. ولا علاقة لها بالحقيقة.. ونخطىء كثيرا اذا انتقصنا من القوة الاعلامية.. ونخطىء اكثر اذا تركنا الساحة لاعلام الاخر دون حضورنا واستثمار القوة نفسها.. مبرزين ما نملك من حقائق تفضح اباطيل الآخرين.. فالغايات نبيلة والحقائق مشرقة..وواقع المملكة وتاريخها مصدر اعتزاز ومنبر افتخار.