د. محمد حامد الغامدي

د. محمد حامد الغامدي

@ العلم في الصغر..كالنقش في الحجر..وكل شيء في الصغر هو علم..المشاهد.. والصور.. والأحداث..والكلام.. والمعايشة.. والتعليم..وهي في النهاية تصبح جزءا من عجين..يشكل ثقافة الناس.. وخلفياتهم.. وحتى اتجاهاتهم.. @ بعضها يستمر.. وبعضها يتم تجاوزه..وبعضها ينكشف غموضه..وبعضها يتم تعديل وتصحيح مساراته.. @ هذه البداية من سلسلة قادمة..كلها من عجين تشكل في مسار حياتي.. @ في صغري..ارتبط اسم أمريكا.. في ذهني..باسم إسرائيل. وفي وقت..كانت الثورات العربية.. تجسد للمواطن العربي..بأن أمريكا دولة رأس مالية.. ودولة إمبريالية.. ودولة معادية. تكره العرب وتناصر إسرائيل.. وتتبنى وجودها وهيمنتها..وتمدها بالمال والسلاح و الدعم البشري.. هكذا كان بداية الموروث. @ فهمت أيضا..من بعض الإذاعات العربية.. والعالمية الأخرى..أن كل دولة حليفة لأمريكا..هي دولة رجعية.. وخائنة للقضية الفلسطينية..بل..وكل القضايا العربية. @ كان هذا الموروث من المفاهيم..يروج لي عبر الإذاعات العربية.. وبقية وسائل الإعلام المختلفة. @ ولكوني صديقاً للإذاعة..فقد كنت مدمنا حتى على إذاعة:(هنا لندن) القسم العربي..والمتهمة في حينه..بالوقوف ضد قضايا الأمة العربية. @ وكنت أيضا متابعا لمنظومة الإذاعة..في الأقطار العربية المختلفة..ولكن في غير انتظام.. إلا في حالة الاستماع إلى خطب القادة العرب المبجلين. @ لكني كنت في بلاد..أرى فيها الأمريكي بأم عيني..حتى قبل دخولي المدرسة..ويوميا في المنطقة الشرقية.. التي تربيت فيها. بل والغريب.. أن يكون هناك أمريكي..يقوم بتدريسي اللغة الإنجليزية..في المرحلة المتوسطة. @ وكان هناك أيضا أمريكي آخر.. يقوم بتدريسي في مقرر خاص..لمدارس شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو)..وهو مقرر (ورشة النجارة)..الذي كان يعلمنا.. مهارات مختلفة..في مجال النجارة وطرق استخدام أدوات..وآلات النجارة المتعددة. @ في تلك المرحلة..لم يكن يبهرني في الأمريكان..سوى بياضهم.. ولمعان شعرهم الذهبي..ولغتهم الغريبة.. وللأمانة.. كانوا مخلصين.. وطيبين مع الطلاب. @ وعلى أية حال..كان أبي وهو الذي يعمل في (أرامكو)..يحترم الأمريكان الذين يتعامل معهم..وفي نفس الوقت يكن الكره لحكومتهم.كبقية العرب في ذلك الزمان وربما حتى اليوم.. @ كان يرى فيهم الأمانة..والصدق..والإخلاص.. والدقة.. والانضباط.. والعدل الوظيفي..والتشجيع على التعلم.. ويرى فيهم حرصهم على العمل..وتشجيعهم عليه.. ويرى فيهم القدوة الحسنة في مجال التعامل والعمل. @ بالمقابل.. كان يكره في أمريكا موقفها من القضية الفلسطينية..وشعبها المشرد..وكنت اسمع أن الحكومات يهودية في أمريكا.. @ هذه الحالة المزدوجة...تمثل النقيض..وهي الحالة السائدة بين أوساط الناس..الذين عرفتهم أثناء الطفولة. @ وقرأت أن أمريكا..هي التي اكتشفت النفط في بلادي.. عندما خذلها الإنجليز..وقالوا بعدم وجود النفط في البلاد.. وبدأت اسمع..أن الكثير من أبناء بلدي يتعلمون في أمريكا. @ وفرضت أمريكا ذاتها في نفوسنا كأطفال..من خلال الأفلام..التي كان يبثها تلفزيون (أرامكو) القناة 2و13 الظهران. وكنت قد شاهدت هذا التلفاز أول مرة..عام 1961 وقبل بدء مشواري الدراسي. @ كان هذا أول بث تلفزيوني في المملكة..وقد تم اختصاره فقط لموظفي الشركة..وفي مناطق عملها. @ من خلاله..عرفت أفلام رعاة البقر.. وقصص القتل.. وسفك الدماء بين الرعاة..وكانت تعجبني خيولهم.. ومهاراتهم القتالية..وحتى ذلك الوقت..لم اعرف أن الهنود الحمر.. هم أهل أمريكا واليها ينتسبون. @ شاهدت أفلاماً كثيرة..تسوق.. وتروج.. الروح الإنسانية.. للإنسان الأمريكي..تروج..البطولات الأمريكية.. والحياة الأمريكية التي تشعرنا بالتخلف..ولكنها تعطينا المزيد من الدوافع..للتقدم والعمل والإخلاص.. لنصبح مثلهم..أبطال مميزين ومتميزين. @ كان هذا..قبل أن اعرف أن لهامتي مجدا.