كوكب الزهرة يقوم برحلتي ترانزيت كل قرن
بنجامين فرانكلين وقف ليتفرج على كوكب الزهرة وهو يمر امام الشمس ويبدو كنقطة سوداء في العام 1882م. ووقف ألوف الناس على الارصفة في نيويورك ليشاهدوا تلك الظاهرة الفلكية، ولكن لا احد على قيد الحياة اليوم سبق ان شاهد طيف الكوكب وهو يزحف على صفحة الشمس.حتى الثامن من شهر يونيو الماضي حيث عاد لاول مرة منذ 122 سنة ليضع بصمته مجددا امام اعين ملايين الاشخاص في جميع انحاء العالم. وكان الامر اشبه بمهرجان عالمي لظاهرة لافائدة عالمية لها كما قيل. ولكنها بالنسبة لعلماء الفلك كانت - في الحد الادنى - مناسبة للتأكد من بعض الحسابات الفلكية القديمة، وربما للتوصل الى اكتشافات او استنتاجات جديدة قد يبدأ الحديث عنها في الاسابيع والاشهر المقبلة.نيل دي غراس تايسون، مدير مرصد هايدين في متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك، قال ان الظاهرة (بطيئة ومضجرة - اذ ان مرور الزهرة امام الشمس استغراق ست ساعات، ولكنها على كل حال تتسم بأهمية تاريخية لا يمكن تقديرها.في القرنين الثامن عشر والتاسع شر حملت مثل هذه الاحداث العلماء على الخوض فيما اطلق عليه وصف (أنبل مسألة في علم الفلك) ، وهي مسألة تحديد المسافة بين الكرة الارضية والشمس. وتحديد المسافة يمكن استعماله بالتالي لقياس المسافة الى كافة الكواكب الاخرى.ومع ان المسألة حلت في النهاية بصورة دقيقة بوسائل اخرى فان رحلات الزهرة امام الشمس اسفرت عن التوصيل الى أول التقديرات الصحيحة وعن بدء جهود وخصومات علمية دولية. هذه الرحلات كانت بمثابة السباق الفضائي للقرن التاسع عشر، حسب ستيفن ديك، كبير المؤرخين في وكالة الطيران والفضاء. ومن هنا اعتبر تايسون التفرج على رحلة الزهرة الاخيرة في 8 يونيو، كان اشبه بالتواصل مع التاريخ عن طريق زيارة المواقع التاريخية.بين العامين 1761 و1882 اجرى العلماء مراقبات دقيقة في اربع مناسبات مرور للزهرة امام الشمس. والرحلة الاولى التي كشفت عن الزهرة تملك طبقة جوية، درسها علماء ومراقبون توزعوا على 117 موقعا في مختلف انحاء العالم.المستكشف البريطاني الكابتن جيمس كوك راقب المرور في العام 1769 في تاهيتي. وفي طريق عودته من تاهيتي اكتشف كوك الساحل الشرقي للقارة الاسترالية.وفي العام 1874 ارسلت روسيا 26 بعثة علمية لمراقبة الزهرة، فيما ارسلت بريطانيا 12 بعثة والولايات المتحدة ثماني بعثات. وشكلت فرنسا وألمانيا وايطاليا وهولندا فرق مراقبة خاصة بها ايضا.وقد جعلت مشاكل تقنية استحالة جمع معلومات دقيقة جدا. ولكن وليام هاركنس، مدير المرصد البحري الامريكي، استنتج في العام 1894 ان الكرة الارضية تبعد مسافة 92.8 مليون ميل من الشمس. ومنذ ذلك الوقت طورت اساليب اكثر دقة لقياس المسافة، وسرعان ما تبني العلماء رقما مختلفا اختلافا طفيفا. واليوم معروف ان المسافة هي 92.96 مليون ميل.وكثيرون يتذكرون هاركنس اليوم بعبارته الشاعرية عن الحدث المقبل في 8 يونيو 2004 ففي العام 1882 كتب ان الحدث سيقع عندما يطلع فجر القرن الحادي والعشرين من دهرنا على الارض وعندما تظهر ازهار يونيو في العام 2004.اما رحلة (ترانزيت) الزهرة التالية - بعد رحلتنا الاخيرة - فانها ستتم عندما تزهر ازهار يونيو عام 2012م.ولابد من التوضيح هنا ان كوكب الزهرة يقوم برحلتي ترانزيت تفصل بينهما ثماني سنوات، ثم يختفي ليعود بعد اكثر من قرن ويكرر عمله.