ابو تراب الظاهري... موسوعة لغوية وفكرية تترجل في صمت
كان من رجالات العلم, وهب حياته للمعرفة والفكر قدم للعلم وطلاب العلم الكثير وترك بعد رحيله ارثا علميا متعدد المعارف والعلوم الانسانية مطبوعا ومخطوطا اضافة الى مكتبة ضخمة تزخر باكثر من 15 الف كتاب ضمنها مخطوطات ومنسوخات نادرة اوقفها للباحثين والعلماء وتمنى ان يكون لها مكان او مبنى خاص يرتاده الناس. انه العلامة الموسوعة (ابو تراب الظاهري) تغمده الله برحمته.سيرة شخصيةابو تراب الظاهري كنية لـ (علي بن محمد عبدالحق الهاشمي) كنى نفسه بابي تراب تيمنا بكنية الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - للامام (علي بن ابي طالب) كرم الله وجهه ولد في الهند عام 1924م وامتدت حياته العامرة لحوالي 77 عاما وتوفى بعد مرض قصير.والده محمد عبدالحق الهاشمي كان من علماء الهند استقدمه الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود (تغمده الله برحمته) وافراد عائلته ليقوم بالتدريس في الحرم المكي وكان ذلك عام 1367هـ تعلم الشيخ ابو تراب على يد والده في حلقات الحرم وبعد ذلك ثقف نفسه ثقافة واسعة في اللغة العربية وادبها وكذلك علوم الشريعة الاسلامية وبعد ذلك ذهب الى (بهادور) ليدرس في جامعتها ويحصل على البكالريوس ثم الى دلهي ليحصل من جامعتها على الماجستير وبعد ذلك كان الازهر الشريف مقصده ليحصل على الشهادة العالمية (الدكتوراة).عمل بالتدريس بمكة المكرمة وانشأ لنفسه حلقة في الحرم المكي ليعلم العلوم ثم عمل بمكتبه الحرم المكي وبعدها انتقل الى جدة ليعمل بجريدة (البلاد) اضافة الى عمله مستشارا للبحوث والنشر بالاذاعة ثم المطبوعات في وزارة الاعلام. شارك في المحافل الادبية واللغوية وقام بالقاء العديد من المحاضرات قرض الشعر وكان له اسهاماته وترك مجموعة من الاعمال المخطوطة لم تطبع في حياته قدم للاذاعة بعض البرامج منها (شواهد القرآن). صحح العديد من الاخطاء في القواميس اللغوية المعاصرة وكانت له ذاكرة تسجيلية نادرة اذ كان يحفظ قرابة الـ 50 الف حديث شريف وآلاف الابيات من الشعر.الكتب المطبوعةقدم الشيخ العلامة ابو تراب الظاهري للساحة المحلية والعربية العديد من الكتب المطبوعة منها:كبوات اليراع, ولجام الاقلام, اوهام الكتاب, صفة الحج النبوية, شواهد القرآن, الاثر المقتفى لقصة هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الموزون والمخزون, قيد الصيد, وغيرها. هذا الى جانب العديد من الكتب المخطوطة.اخلاقه وصفاتهاتسم الشيخ الراحل بالانصات للآخرين والتواضع والاخلاق الطيبة والتسامح بعيدا عن الحقد والغضب كما اتسم بالبساطة في المظهر وحب القراءة والتركيز والدقة والاهتمام, ويقال عنه انه كان طبيب نفسه اذ كان يعالج نفسه بالاعشاب والوسائل الشعبية.قالوا عنه: ونقلا عما كتبه الاديب (علوي طه الصافي) في كتيب المجلة العربية العدد 80 حول ما قيل عن الشيخ العلامة ابو تراب الظاهري بعد وفاته نلمح الكثير من الثناء على الراحل والحزن على فقده وذكر مآثره وعلمه.يقول د. عبدالوهاب الحكمي عضو هيئة التدريس بجامعة ام القرى: (ان الفقيد العظيم, والعالم الجليل (ابو تراب الظاهري) نسخة لا تتكرر.. فهو عالم موسوعي يذكرنا برواد الثقافة العربية وعلمائنا الذين عاشوا ازدهار الحضارة العربية فهوعالم في الحديث وعالم في اللغة. ويقول د. عبدالمحسن القحطاني استاذ اللغة بجامعة الملك عبدالعزيز: هو احد حراس اللغة العربية كان - يرحمه الله - مهموما على الدوام بجذورها وتفريعاتها وتنويعات اللغة فيها فهو يذكرني بسيبويه (مع الفارق) اذ انني اعتبر الاثنين قد تناولا اللغة العربية بحيادية وبرغبة لتأصيل المعلومات.فابو تراب من المقننين ومن المعياريين ان صح التعبير لذا فانه يقف في وجه من يخرج عن المعيار وهذا الوقوف عنه - رحمه الله - هو حرصه على اللغة العربية من ان تتوزع الى اشلاء او تتبعثر.وقال عنه الدكتور محمد العيد الخطراوي الشاعر والاديب والباحث المحقق ونائب رئيس النادي الادبي بالمدينة المنورة: ان اديبا مثل (ابو تراب الظاهري) ليس من السهل ان تتحدث عن سيرة حياته الحافلة بالاعمال الادبية المتميزة التي نهل منها آلالاف من طلاب العلم والثقافة واصبح له طابعه وشخصيته الادبية المستقلة.ان ما قدمه من اعمال هي التي تتحدث عن هذا الانسان الذي كان يعمل لخدمة تراث امته بصمت.. ويقدم المعلومات النادرة, ويدعمها بالادلة والوثائق الصادقة.. انه مرجع في تخصصه, وبرحيله فقدنا شخصية ادبية لها نهجها الواضح والناجح.وقال عنه الاديب المعروف الاستاذ عبدالله عبدالرحمن الجفري: الشيخ ابو تراب الظاهري منذ عرفناه وانسنا الى مجلسه, كان يطلق عليه بعض الاخوة مسمى (الشيخ مجلدات).. فهو مجلد فقه.. ومجلد لغة.. ومجلد تراث شامل.. انه مكتبة متنقلة تمشي على ساقين وعكاز.. ممتلئ حتى لا يكاد يزرر عقله.. لا يضيق بالعلم, لكنه حافل ومكتظ حتى الفيضان فاذا فاض اغرق احيانا.طراز فريد من (ملتهمي) كتب العلم واللغة والفقه والتاريخ في برنامجه الاذاعي (شواهد القرآن) اعاد لنا ذكرى ائمة المربدين (مربد البصرة, ومربد الكوفة) هو تلميذ المربدين, البصرة والكوفة.. وهو تلميذ المسجدين.. ويكفيه ان يكون كذلك.اوجه الشبه بينه وبين سيبويهوعن اوجه الشبه بينه وبين سيبويه يقول الاديب علوي الصافي: لفت نظري رأي الصديق الدكتور عبدالمحسن القحطاني الذي ورد في حديثه ان الراحل ابو تراب الظاهري يذكره - مع الفارق - بسيبوبه واورد رايه في المسألة التي يلتقي فيها الاثنان وقد اغراني الرابط لابحث عن اوجه شبه اخرى بينها مع الفروق الاخرى في الزمان والمكان والاهتمامات فوجدت اوجه الشبه التالية: ويعدد الاديب الصافي مجموعة من اوجه الشبه منها:اولا: ان الشيخ (ابو تراب الظاهري) ولد بالهند, لكنه ترعرع وعاش ودرس في المملكة العربية السعودية ومات فيها. وسيبويه اصله من (البيضاء) من ارض فارس لكنه ترعرع ونشأ ودرس في (البصرة) بالعراق ومات فيها.ثانيا: ابو تراب الظاهري هذه كنيته اما اسمه الحقيقي فهو (علي بن محمد عبدالحق الهاشمي) وقد سبقت الاشارة الى ذلك وسيبويه هذه كنيته اما اسمه الحقيقي فهو (عمر بن عثمان بن قنبر) كما كان يكنى بلقب (ابو بشر) ومعنى اسم (سيبويه) رائحة التفاح ويقال ان امه كانت ترقصه بذلك في صغره.وكما يقول (ابن خالويه) انه قد اشتق له غير ذلك فقال: كان سيبويه لا يزال من يلقاه يشم منه رائحة الطيب فسمي (سيبويه) ومعنى (سي) ثلاثون و(بوي) الرائحة, فكأنه رأى ثلاثين رائحة طيب.. ويكنى (سيبويه النحوي) فقد كان حجة في النحو.ثالثا: خاض الشيخ ابو تراب الظاهري اكثر من معركة ادبية ولغوية بمفهوم هذا العصر وهي صور مما كان يسمى في الماضي بـ (المناظرات) اذ تتم (المعارك الادبية واللغوية) المعاصرة على صفحات الجرائد بينما تتم (المناظرات) سابقا مشافهة وامام ملأ من العلماء والمتأدبين ومن اشهر معارك الشيخ الظاهري او مناظراته تلك التي تمت بينه وبين العالم اللغوي السعودي الكبير الاستاذ الراحل احمد عبدالغفور عطار يرحمه الله.اما سيبويه فله مناظرات مع عدد من علماء النحو الذي كان مبرزا فيه حيث يعد كتابه اصل النحو وقد اعتمد عليه نحاة المدارس جميعا والفوا حوله الشروح والملخصات والتكملات والتعليقات ولايزال محتفظا بمكانته الى اليوم ومن اشهر مناظراته مع الكسائي امام نحاة الكوفة.رابعا: اكتسب الشيخ الظاهري بحكم ولادته في الهند والحياة فيها خلال مرحلة التأثر واكتساب اللغة لكنة في لسانه ظلت تلازمه طوال حياته.وسيبويه ايضا بحكم ولادته ونشأته المبكرة في فارس كانت في لسانه لكنة لازمته طوال حياته رغم الفترة الزمنية الطويلة التي عاشها في العراق اكد ذلك ياقوت في قوله ان احمد بن معاوية بن بكر العليمي قال: ذكر سيبويه عند ابي فقال: عمر بن عثمان قد رأيته وكان حدث السن كنت اسمع في ذلك العصر انه اثبت من حمل عن الخليل, وقد سمعته يتكلم ويناظر في النحو وكانت في لسانه حبسة اي تعذر الكلام عند ارادته ونظرت في كتابه فرأيت علمه ابلغ من لسانه.خاتمةوهكذا عاش شيخنا علما من اعلام اللغة ورحل فارسا من فرسان العلم فهل سنتذكره ببناء مكان لمكتبته التي طالب به في وصيته ليستفيد منها اهل العلم والباحثين؟نأمل..