هروب من 'صهد' الزمن إلى 'برد' المكان
لعل المفارقة البصرية المهمة في معرض "صيف" للفنان السعودي حسين المحسن، يمكن رصدها في العلاقة الجدلية بين مكونات أعماله رمزياً ولونياً، وهو بذلك حقق معادلة تقوم في الأساس على (التضاد) حيث الملامح المعتمة الباهتة تصارع وضوح الألوان، والعيون الذابلة الغائرة تطل بصعوبة من التحدي اللوني الصارخ، والوجوه المتعبة الساكنة تواجه محيطاً لونياً يضج بالحركة والانفعال، والجسد بكامله يبدو مغيب التفاصيل وسط ذلك الزحام اللوني الساخن برغم تداخل بعض الألوان الباردة، وهذا التضاد المحمل بالعديد من المدلولات المتجادلة، قد يكون أهم القيم التشكيلية التي يسعى الفنان لترسيخها والعبور من خلالها إلى فضاء القيمة الجمالية للعمل الفني، فالفنان يجرد الشخوص التي يوظفها في لوحاته من الملامح ذات المدلولات الواضحة، وفي ذات الوقت يوظف ألوانه من منطلقات واقعية شديدة الوضوح، وهنا تكمن تفاصيل الجدل، بين الواضح والباهت، بين الواقعي والتجريدي، بين الجسد واللون، أو بين اللون ونقيضه من حيث المعنى والدلالة، وبذلك هو يكشف التوجه الانساني الذي يمكن قراءة ملامحه من بين كل هذا التصارع والجدل، بحيث يبدو المنحى الانساني هو الخيط الرفيع الذي يجمع بين مختلف الأعمال تحت مظلة تشكيلية متميزة، إضافة إلى ذلك الاحتكام إلى بعض الرموز التي تأخذ شكل الحروف العربية واللاتينية أحياناً، وكلها تتشكل بتكوين طفولي عفوي وتلقائي في بساطته، ومن كل ذلك التداخل بين الشخوص والألوان والرموز والحروف، وحتى الخامات, تتكون تجربة محسن المحسن الفنية، وهي تجربة ذات بعد إنساني مرهف في تكوينها العام، وقد يفهم من الحديث عن الملامح الباهتة الساكنة، أنها غير فاعلة، ولكن العكس هو الصحيح تماماً، فهذه السكونية في دلالتها صرخة في وجه الضجيج، هي لحظة الانفجار الموشك على الاشتعال، وهي إظهار الألم المكتوم من خلال نقيضه المتمثل في صراخ الألوان التي تحاول تغييب الملامح. عيون غافية ان اللون في تجربة محسن المحسن، هو الحالة المثيرة التي تفضح المسكوت عنه، وتكشفه للمتأمل الذي يحاول استقراء الوجوه المستكينة، والعيون الغافية، والأجسام المنهكة، وبقدر ما كانت الألوان مهووسة بالضجيج وصارخة، كانت حالات السكون الداخلي أكثر لفتاً للنظر منها، فقد استطاع الفنان أن يضع تلك الملامح البشرية في مناطق محورية على أسطح لوحاته، فكانت بؤرة اهتمام تجذب النظر إليها من بعيد، ويتم توزيع حركة النظر من هذه البؤرة المحورية على باقي خريطة اللوحة، مع أن تكثيف الألوان واستثمار كل مساحة صغيرة وهامشية قد يوحي بعكس ذلك، لأن العمل مشحون بكامله، ولا مكان للفراغ بمعناه السلبي فيه. لماذا الصيف؟ هذا المعرض الذي أقامه الفنان في جاليري "شدا" حمل عنوان (صيف) ومن المؤكد ان عنوان المعرض سيكون دالا عليه او هو مدخل مهم لقراءة بعض التفاصيل التي تضمها أعماله, على انه في بعض الاحيان ياخذ منحى فلسفيا, وهو هنا في معرض محسن المحسن الذي حمل عنوان (صيف) اشارة او احالة الى مفهوم زمني له خاصية معنية في الذاكرة والوعي العام لدى المتلقي, فالصيف هو الاخر جدلية بين الحار والبارد, واستطاع الفنان ان يحقق ذلك من خلال تضافر الالوان الساخنة, مع الباردة, وهذا له معنى الهروب من الزمن الحار (الصيف) الى المكان البارد حيث زرقة البحر في الالوان الباردة, واذا كان هذا المعنى الذي يكتشف على المستوى اللوني, وهو الهروب من الزمان (الصيف) الى المكان ( أي مكان لقهر الزمن الحار) فان المعنى الحقيقي أو المنطقي اكبر واشمل من ذلك, لأن الصيف الحار هو الذي يدفعنا الى المكان البارد, بمعنى ان القبح يدفعنا الى الجمال, والصيف يعزز فينا معنى المطر, يذكرنا باهمية الماء, ومن هنا نعود الى ما اشرنا اليه حول الجدلية او التضاد, حيث الهروب من الشيء الى نقيضه, فاذا كان الصيف هو الحالة الزمنية التي نعيشها مرغمين على المستوى الانساني, فهو الذي يثير فينا رغبة التمرد والرفض باتجاه الواقع الذي يمكن التصالح معه.
شخصيات غير واضحة المعالم
احدى لوحات الفنان حسين المحسن الهروب الى برد المكان الجسد يبدو مغيب التفاصيل
شخصيات غير واضحة المعالم
احدى لوحات الفنان حسين المحسن الهروب الى برد المكان الجسد يبدو مغيب التفاصيل