استطلاع

كل الخطابات تؤدي دورها في التنوير .. وتداخلها يصنع خطاباً شاملاً

شدد عدد من النقاد على أن الأدب يحمل دوراً تنويرياً للمجتمع، وأن دور الأدب مهما قل أو ضعف فإنه يبقى دورا مؤثرا. واعتبر البعض أن الإعلام هو الذي يتحمل الدور الأكبر وأنه هو الذي ينشر التنوير في هذا العصر، فيما اعتبر البعض الآخر أن العلم هو الذي يحمل مشعل التنوير وهو المؤثر الأكبر في المجتمعات.وكانت د. لمياء باعشن قد أكدت في أحد محاور التنوير التي اختتمها ملتقى حوار بنادي جدة الأدبي أن الفلسفة هي التي تقوم بدور التنوير وأن الأدب لا دور له في هذا المجال. (اليوم) استطلعت آراء بعض النقاد حول هذا الموضوع فماذا قالوا؟الإعلام يحمل الراية في البداية اعتبر الدكتور عبدالله الحيدري أن هذا السؤال حول دور الأدب في التنوير مستفز وقال: في اعتقادي أن الأدب كان ولايزال يحمل رسالة في تنوير المجتمع وتثقيفه، وتغيير الكثير من العادات التي قد تبدو سيئة، وإضافة عادات أخرى جيدة، لكن الأدب لا يحمل عصا سحرية يعدل أو يقيم المجتمع بين آونة وأخرى، فالنتيجة للأدب لا تكون مباشرة، فهي تأخذ زمناً، وتأتي تلقائياً من خلال إلحاح الأديب على فكرة معينة بأكثر من وسيلة أدبية، سواء كان ذلك يتمثل في الرواية أو القصة، أو المقالة، أو الخطبة.. فهذه كلها أشكال أدبية تهم في تنوير المجتمع وتثقيفه، وإحداث هزات كبيرة فيه.وأضاف الحيدري: كانت مقالات طه حسين والعقاد، والزيات تهز المجتمع، فكتابات هؤلاء الأدبية كانت تحدث تغييرات جذرية في المجتمع، وحتى اليوم الكتابات التي تتناول قضايا في هذا الجانب، تقوم بالدور نفسه في التنوير، لكن الذي يحدث هو أن مجتمعاتنا العربية تمر بتغيرات سريعة جداً، لم يعد التغيير يحدث كل خمسين أو ثلاثين سنة، بل كل عام هناك تحولات في البنى الاجتماعية. مشيراً إلى أن الأدب أحد أدوات هذا التغيير، ويقول: صحيح أنه لا يقوم بالدور كاملاً، لكنه أحد الأدوات المهمة، وبالتالي الحديث عن عدم فاعليته في التنوير فيه قدر كبير من الإجحاف.ويرى الحيدري أن الإعلام الآن هو حامل الراية، إذا قارنا واقع الأدب في الوقت الحالي، بالأدب في القرن الماضي، والدور الذي قام به الأدباء التنويريون، فهذه المقارنة قد تجعلنا نسلم بأن هناك تراجعاً في دور الأدب في التنوير، لكن لا نسلم بأنه فقد الدور التنويري أبداً، صحيح أن هناك بروزاً للفكر السياسي، لكن الإعلام هو الذي أبرز حتى الفكر السياسي.الإعلام خبز يومي ويخلص الحيدري للقول إن الإعلام الذي أصبح خبزاً يومياً جعل الكثيرين وإن كانوا غير متعلمين يتحدثون في الشأن السياسي والعام، واستثمار الإعلام للأدب يلعب دوراً تنويرياً، ويسهم في التغيير داخل المجتمع.ويضرب بذلك مثلاً على المقالة الصحفية ويقول: لا يمكن إغفال دورها في مسألة التنوير والتغيير. فالكاتب يمكن أن ينشر مقالة اليوم، وفي الغد تجد قراراً سياسياً أو اجتماعياً أو قانونياً جديداً يتعلق بالقضية التي يتحدث عنها.العلم سلاح التنوير من جانب آخر يرى الدكتور صابر عبدالدايم أن الأدب ليست له جهة وحيدة في التأثير، وهي القراءة خاصة في ظل تراجع الإقبال على الكتاب، ولكن الأدب بدأ يلعب دوراً تنويرياً من خلال توظيفه في الدراما، فالمواد الدرامية التي تشغل الإعلام المرئي الآن هي في الأساس شكل من أشكال الأدب وروافده.ويقول عبدالدايم: ليس صحيحاً أن الأدب خارج فاعلية التنوير، فأعمال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وغيرهم لعبت دوراً تنويرياً داخل المجتمع المصري، لكن الشائع دائماً أننا نربط التنوير بالمثقف، أما أنا فأربط التنوير بالشعب العادي وطبقاته، فالكثير من الأشياء داخل المجتمع تغيرت بسبب أعمال مثل هؤلاء الكتاب، وهذا يعني أن الأدب له إسهامه في عمليات التنوير.وعن التنوير من طريق الكتاب يقول عبدالدايم : الكتاب يعطي مفهوماً نخبوياً عندما نجد محدودية في القراءة، فهو بالتأكيد تراجع، أو لم يعد فاعلاً كما كان في عملية التنوير. ويضيف قائلاً : أعتقد أن قضايا التنوير الآن مرهونة بالفكر العلمي، والنظريات الحديثة في العلم، نحن نحتاج في هذه المرحلة إلى استثمار الجانب العلمي ليلعب دوراً تنويرياً، فينعكس ذلك على إنتاج المجتمع في كافة مجالات الحياة، وبالتالي يتطور المجتمع، وتتسع دائرة التنوير فيه، فالتخلف العلمي لا يمكن أن يحدث معه تنوير بمفهومه الحقيقي، لأن التنوير قيمة فكرية متطورة، لا يستطيع الأدب وحده أن يوفرها، فالأدب حالة إنسانية وحضارية لكن العلم هو الذي يقوم بالدور الأكبر الآن في تنوير المجتمعات وتطورها وتقدمها.ويخلص من ذلك للقول: لذلك يجب أن يسود العلم ويجب أن ندرك أنه القادر على إحداث التغيير التنويري في هذه المرحلة.أما الدكتور محمد خير البقاعي فيرى أن مفهوم الأدب قد تغير، ولم يعد وسيلة من وسائل الترويح والإمتاع، ولم تغب قيمة التنوير عن الأدب. ويضيف قائلاً إن القول بأن الأدب لا يقوم بدور تنويري يجانبه الصواب، فالأدب خطاب والفلسفة خطاب، والعلم خطاب، وكل هذه الخطابات تؤدي دورها في التنوير، لأن تداخل الاختصاصات الآن هو الذي يصنع خطاباً شاملاً يؤدي إلى التنوير، لا نستطيع الآن أن نفصل بين الأدب والفلسفة، ولا بين اللسانيات وعلم النفس، ولا بين أي جانب من العلوم الإنسانية وآخر، ونقول إن هذا يقوم بدور تنويري، والآخر ليس له دور.وبعد هذه المقدمة يقول : الحقيقة أن التنوير لا يمكن أن يتحقق إلا بتداخل وتضافر كل هذه الروافد، ومنها يحدث الوصول إلى صيغة متكاملة هي الأقدر على التأثير والتنوير.