صحيفة اليوم

قراءة وتأملات في خطاب صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز- حفظه الله- بمناسبة إطلاق اسم خادم الحرمين الشريفين على المسجد الجامع بالمدينة الجامعية بجامعة الإمام

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة وبعد فلقد تشرفت الجامعة بيوم مبارك هو يوم السبت الموافق 27/ 8/ 1423هـ ورفعت رأسها شامخاً عندما قام صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ورئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء- حفظه الله- برعاية الحفل الذي أقامته الجامعة بمناسبة إطلاق اسم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز- وفقه الله0 على ذلك المعلم الإسلامي البارز والصرح الشرعي وضخامته وما هيئ فيه من وسائل وأساليب ووفر فيه من إمكانيات وتقنيات حديثة الثالث بعد الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، ولقد أدخلت هذه الرعاية الكريمة والزيارة الميمونة لسموه الكريم الفرح والسرور والغبطة والشعور بالحبور لجميع منسوبي هذه الجامعة العريقة الأثيرة لدى ولاة الأمر. وستكون دافعاً قوياً وعاملاً مهماً في سبيل دفع عجلة تقدمها ونمائها وقيامها بالرسالة المناطة بها والعمل على تحقيق أهدافها وغاياتها النبيلة والسامية التي أنشئت من أجلها والتي لا تخرج عن الأصول والمبادئ التي قامت عليها المملكة العربية السعودية والمنطلقة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف هذه الأمة مما لا يعد غريباً حيث أن المؤسس لهذه الجامعة وواضع نواتها الأولى هو الأمام المجاهد الملك العادل عبد العزيز بن عبد الرحمن- يرحمه الله- عندما كلف سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمهما الله، بإنشاء أول معهد علمي في المملكة في عام 1370هـ حيث كانت نواة خير وبركة عم نفعها البلاد والعباد وذلك عندما توسعت وانتشرت بمعاهدها وكلياتها وأقسامها ومراكزها بعناية ورعاية واهتمام من قائد مسيرتنا وباني نهضتنا رجل السلم والسلام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز واضع حجر الأساس للمدينة الجامعية لهذه الجامعة التي تتربع شامخة عزيزة مهابة الجانب معطية الصورة الحقيقية لهذه البلاد وما تقوم عليه من مبادئ في بوابة عاصمتنا الحبيبة الرياض، وقد جمعت في أساسها وتصاميمها ومرافقها ومنشآتها بين الأصالة والمعاصرة وأول نظرة تنطلق من أعين الداخلين إلى الرياض عبر مطار الملك خالد الدولي تتوجه إلى هذا الصرح العلمي الشامخ الذي يتوسطه جامع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وإن مما زاد هذه الحفل بهاء وروعة في أثره وتأثيره على الجميع ممن سمعوا أو قرأوا أو رأوا هذا الحدث عبر وسائل الإعلام المتنوعة تلك الكلمة الضافية والخطاب الشافي الكافي الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد- حفظه الله- مدوياً بين جنبات هذه المدينة الجامعية بل وفي سماء مدينة الرياض واصلاً إلى القلوب محركاً العقول متعلقة به الأفكار وذلك لما تضمنه من مضامين سامية ومبادئ راسخة وحقائق قوية ودلائل واضحة وبراهين ساطعة وحجج ثابتة تدل دلالة واضحة على المنبع الصافي والمعين الوافي الذي ينهل منه سموه الكريم وينطلق منه في أحكامه وتصوراته ونظراته وعلاقاته وجميع الشؤون مما لا يعد غريباً على رجل تخرج من مدرسة تربوية علمية توجيهية قيادية رائدة تجمع أوصافا متميزة وصفات عالية أخذ منها أجيال وأجيال ودرست فيها أمم وأمم واستفاد منها أبناء هذا الوطن رجالاً وإناثاً صغاراً وكباراً بصفة خاصة وأبناء الأمة الإسلامية بصفة عامة إلا وهي مدرسة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز- حفظه الله- صاحب الأيادي البيضاء والمواقف البطولية والبصيرة النافذة والأبوة الحانية والنظرات الثاقبة والقيادة الحكيمة والآداب العالية والأخلاق الفاضلة والتواضع الجم والهمة العالية والعاطفة الجياشة. وأن من استمع إلى تلك العبارات وتأمل ما جاء فيها وأدرك ما تحمله في طياتها من الخير والنفع وما تعنيه من صدق في التعامل وقوة في المواقف واعتزاز بالمبادئ وإخلاص في الإعمال يعتقد اعتقاد جازماً ويقتنع إقتناعاً تاماً أنها خرجت من القلب إلى القلب فهي قد ذكرت الثوابت التي هي سبب عز ونصر وتمكين هذه البلاد وولاة أمرها وما هيأه الله لها من الخير والأمن والأمان والطمأنينة ورغد العيش بطريقة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً حتى صارت بلادنا محط النظر ومضرب المثل ومقصدا لجميع فئات البشر، مشيرة إلى الدور الكبير والعمل الدؤوب والجهود الجبارة التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين تجاه عقيدته ودينه ووطنه مما يعرفه القريب والبعيد ويدركه القاصي والداني ويشهد به العدو قبل الصديق، الأمر الذي معه جاءت عنايته ببيوت الله وفطر قلبه على الاهتمام بها وخدمتها وتهيئة كل ما من شأنه راحة وطمأنينة مرتاديها للعبادة وطلب العلم. ولم يقتصرذلك على ما يحتاجه أبناء وطننا الغالي والحبيب بل تعداه إلى جميع أصقاع المعمورة لذلك لا يمكن أن تزور بلداً في أي جزء من الأرض إلا ولخادم الحرمين الشريفين ذكر خير هناك ينبع مما قام به من إنشاء المدارس والمساجد والمراكز وبعث الوفود وإرسال المتخصصين من أجل تعليم أبناء الأمة الإسلامية مبادئ دينهم وأحكام شريعتهم وذلك بوسطية واعتدال وموضوعية واتزان فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء على حد قول الله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) وقوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا الدين يسر ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه). ولو أردنا أن نحصر أعماله- حفظه الله- في هذا المجال لاحتجنا إلى المقالات الطويلة بل إلى المؤلفات الكثيرة ولكن بالمثال يتضح المقال فيكفيه فخراً ما قام به من أجل الحرمين الشريفين حيث بلغت ذروة مجدها وعالي قدرتها وفائق وسائلها وأساليبها في عهده ووفق توجيهه لا يدرك ذلك إلا من عاينها وشاهدها وتلذذ بالعبادة فيها مع ما يضم إليها من مشاعر مقدسة أولية كل ما تحتاجه من العناية والرعاية والدعم مما لا يصدق إلا بالمشاهدة إضافة إلى ذلك المجمع المبارك الذي أنشأه خادم الحرمين الشريفين في المدينة النبوية لطباعة المصحف الشريف وتجويده وتفسيره وتلاوته بطريقة فريدة ونهج متميز جعل أبناء الأمة الإسلامية ينهلون مما يصدر منه من مطبوعات أو مسموعات أو مرئيات. ولقد تناول ذلك الخطاب المميز جملة مما يجب أن يعرفه المسلم وخصوصاً طلاب العلم ورواد الفكر والمثقفون عن واقع الأمة وما تعيشه من وضع حرج لا يخفى على أحد حيث تداعت الأمم على الأمة الإسلامية بصفة عامة وعلى بلاد التوحيد بخاصة وما ذاك إلا لقيامها على التوحيد الخالص والمنهج السليم وتطبيقها للإسلام شريعة وعقيدة وأخلاقاً مما يجعلنا نقف وقفة تأمل وننظر إلى ما يجب علينا تجاه دفع ذلك وبيان الحق فيه طالبين القوة والعون من الله سبحانه وتعالى وأن ذلك لن يزيدنا إلا ثباتاً على معتقدنا ووقوفاً صارماً وسداً منيعاً تجاه كل من يروم ديننا أو بلادنا بسوء ولذلك لابد من التآلف والتآزر والتواد والتعاون على الخير والبر والتقوى وأن نكون صفاً واحداً مترابطاً متراصاً لا تؤثر علينا العوادي ولا تدخل بيننا الأفكار المنحرفة والمضللة ولا يمكن لأحد أن يشق عصا اجتماعنا ووحدتنا وتآلفنا نابذين بذلك كل أسباب الفرقة والخلاف والاختلاف أياً كان نوعه مقدمين المصلحة العامة على المصالح الذاتية والخاصة. مشيراً سموه إلى أن غير المسلمين وأن تقدموا في المدنية وأمور الدنيا فأننا نفوقهم بما هو أفضل منه من قيامنا على الأخلاق والسلوكيات الحميدة والتي تعتبر أساساً في المعيشة والتعارف والوصول إلى الآخر ولكن ما علينا إلا أن نطبق ذلك ونراعاه حق رعايته حتى نكون قدوة صالحة لا يمكن أن يجد علينا الأعداء مدخلاً يستطيعون من خلاله أن يشككوا في عقيدتنا أو يضعفوا من قوتنا، وليس معنى ذلك أن لا نتعايش مع من حولنا أو نتخاطب معهم بل أن الواقع يفرض علينا أن يكون خطابنا متماشياً مع ما يخدم مصلحتنا ولا يؤثر على أصالتنا وثوابتنا ومبادئنا. فنقول لا فض فوك يا ابن فهد بن عبد العزيز لأننا بحاجة لمثل هذه التوجيهات والتسديدات وبذل كل المستطاع من أجل إبراز الصورة الحقيقية للإسلام وما يتميز به من وسطية واعتدال وموضوعية وتوازن ووفاء بالجوانب المادية والروحية وعدم إغفال أي شأن من شؤون الأفراد والجماعات سواء كانت دينية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو علمية ولكن لا يمكن أن يقوم بذلك إلا الرجال الأكفاء والأبناء الأوفياء والكفاءات المتميزة الفاهمة المدركة الواعية المتلبسة بما أمر الله به ورسوله القادرة على تطبيق الأحكام على ما يجد بين الناس من حوادث وأقضيات ونوازل محققين بذلك ما توصف به الشريعة الإسلامية من الأصالة والكمال والشمولية والاستمرارية والصلاحية لكل زمان ومكان. وأمة ولا يخفى على كل طالب علم ما عقده العلامة المحقق ابن القيم- رحمه الله- في كتابه القيم أعلام الموقعين من باب قال فيه ( أن الفتوى تتغير وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد والنيات والأشخاص)، ضارباً على ذلك الأمثلة من الكتاب والسنة وما دار في فلكهما وهذا يدفعنا إلى القول أن خطاب الشاعر الحكيم من خلال نصوص الشريعة وأحكامها قادرة على مسايرة الإعصار ووافية بكل ما يلزم للبشرية ويسعدها في دنياها وآخراها ولكن ما علينا إلا التأمل والتدبر والتفكر وأدراك حقيقة ذلك، ولقد ضرب السلف الصالح رحمهم الله أروع الأمثلة في تطبيق ذلك وجعله واقعاً حياً ملموساً بأنفسهم ويتفيأ ظلاله كل من عرفهم أو تعامل معهم أو أخذ منهم أو سمع عنهم وسطروا تاريخاً مجيداً في الدعوة إلى الله بأسلوب حكيم ومنهج قويم استطاعوا من خلاله أن يصلوا إلى القلوب قبل أن يصلوا إلى البلدان والديار والأشخاص مما دفع الناس إلى أن يدخلوا في دين الله أفواجاً ولم يأتوا بذلك من بعيد وإنما استمدوه من قوله تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) وقوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولية وفعيلة وتقريرية وخلقية لأنه القدوة الأعظم والمعلم الأمثل قال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان خلقه القرآن، قال تعالى (وانك لعلى خلق عظيم) فما علينا إلا أن نسير على هذا الهدى وأن نتبع هذه الخطى وأن تقتفي هذا الأثر ونسلك هذا المنهج الذي ترتفع به رؤوسنا ويحصل لنا من خلاله الاعتزاز والافتخار والنصر والتمكين كما صار لأسلافنا رحمهم الله. وختاماً نقول هنيئا ثم هنيئاً لخادم الحرمين الشريفين على هذه الأجور المتتابعة والحسنات المتضاعفة والدرجات العالية قال تعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة) وقال تعالى (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وآيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)، وقال صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة نسأل الله العلي القدير أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمرنا وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال، وأن يجعل ما يقدمه للإسلام والمسلمين في ميزان حسناته وصلى الله وسلم على نبينا محمد. د. سليمان بن عبد الله أبا الخيل وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية