عبد الله بن ناصر العويّد

قلطات الاحساء

القلطات جمع قلطة ( بسكون اللام ، وفتح ما قبلها ) ، وهي تعني المحاورة بين شاعرين . واشتهر بها الشعراء الشعبيّون في العصر الحديث بالذات. أما سابقاً فقد حدثتنا كتب الأدب عن نماذج كثيرة ورائعة من الشعر الاخواني ، حيث عبّر الشعراء عن مكنوناتهم ارتجالاً .. سواء كان فردياً أم محاورة بين اثنين .. أو اكثر .واشتهر الوجه الشمالي من واحة الاحساء بالشعر الشعبي قديماً ، وانفردوا عن الاحسائيين باهتماماتهم بالقلطات ، ولعلّ طبيعة بيئتهم تفرض عليهم ذلك ، إذ أنها بيئة تجمع بين البداوة والحضارة ، بين أحضان النخيل والعيون ، وبين تلال الرمال و دِفء الخيام المبهرة الجذابة ! كقول أحد الاحسائيين القدامى :==1==تذكّرني الخـــــــــــيامُ بأرضِ نجدٍ==0== ==0== وقلبي عند مَنء سكن الخياما!!==2==غير أن جنوب الاحساء وشرقها *مدينة الهفوف والمبرّز والقرى الشرقية* لها شهرة بهذا اللون قديماً إلى جانب الشعر الفصيح، الذي اضحت فيه عاصمة من عواصم الشعر العربي في جزيرة العرب عبر القرون الماضية ، وإلى هذا الوقت . فقديماً اشتهر في الشعر الشعبي سليم بن عبد الحيّ ، ومحمد بن مسلّم ، وحمد بن مغلوث ، وابن عفالق ، والعقيلي الذي هاجر إلى دبي بالإمارات ، ومهنّا أبو عنقا .. وغيرهم. على أني لا أنكر أن هناك أشعارا ، تستحق الإشادة من بعض الأحياء : كعلي بن سليم الحليبي من المبرّز ، يبلغ من العمر ثمانية أعوام ومائة ، ولمّا يزل شاباً . وعبد الله الطويل ، من اهالي قرية (بني معن) ، وهو يقارب الثمانين عاماً. وهو يذكرنا -شفاه الله- بقول الشاعر القديم : ==1==إنَّ الثـــــــــــــــمانين .. وقد بُلّغتُها==0== ==0==قد احوجتء سمعي إلى ترجمانِ!==2==إلا أن عددهم يتصاغر أمام كثرة شعراء الوجه الشمالي العريق في هذا اللون وبالذات عند العيونيين ، والمراحيين أهل بلدة المراح جارة العيون والوزية . قلتُ: وهم يتميّزون بكثرة الشعر النسائي أمثال : ظبيا بنت زيد العسّاف (يرحمها الله) .. وغيرها.ومن ابرز الشعراء الأحياء (بارك الله في أعمارهم) الشاعران الفذّان المبدعان: علي بن عبد الله آل عسّاف الجَمَالين (بفتح العين والميم دونما تشديد) ، وسعد بن علي آل ثنيّان العرادي (بفتح العين والراء المخففة) نسبة إلى العرادات ، العشيرة المتفخّذة من شمءل قبيلة "بني خالد" ، وقد أتيا يتقدمان وفد العيون .. برفقة تلميذهما الوفيّ/ راشد القناص السبيعي ، فكانت "الطالعية" مزرعة حاتمي الشقيق .. عبد الله بن عبد الله آل يوسف في انتظارهم بلهف وشوق ! أجل .. لقد قدموا ، فنعم القدوم قدومهم ، ونعم المفاجأة مفاجأتهم .==1==لو علمنا مجيئهم ، لفــــــرشنا==0====0==مهجة القلبِ "أو سواد العيونِ!وجعلنا رُموشــــــــــــنا لِلِقاهم==0====0==ليكون المـــسيرُ فوق الجفونِ!!==2== قدموا من أجل المعايدة على الصفوة من أهالي الشقيق من ذوي الثقافة والشعر . ذاك أن أهل الشّقيق لم يزوروا العيون في العيد . فكان حضورهم وفاءً ونخوة ، وكرماً .. لا يُنسى . وهذا ليس بغريب عليهم. لذا لا يُلام كاتبُ هذه السطور ، حينما رفع عقيرته عام 1413هـ في إحدى الأمسيات العيونية شادياً :==1==لي في العــــــــــــيونِ أحِبّةٌ==0====0==يتسابقونَ إلـــــــــــى الكرَمءيتشوّقونَ إلى الـــــــــــــلِّقا==0====0==الجَمعُ حيّا ..وابتســـــــــــمأنعمء بهم مـــــــــــنء إخوةٍ==0====0==أُدباء في فنِّ القـــــــــــــلمءقومٌ أُباةٌ ..لاتســـــــــــــلني==0====0==عنهُمُ ..وعنِ الشّــــــــــــيمءماذا أقول ، وقــــــــــــــد تبا==0====0==رَوا لِلعُلا منذُ القِدمء؟!...الخ==2==قالَ ابنُ عو يّد : وقد أحضَر الوفدُ العيونيّ عشرات النسخ من ديوان الشاعر الكبير / علي آل عسّاف الجمالين. لذا نُهنّئ أنفُسَنا على وِلادة هذا السِّفءر الشعري ؛ بعد أن نهنئ * أبا مفرّج *، ونحن ننتظر الدواوين العشرة الباقية . المودعة في أدراج خزاناته وصناديقه ، وفي بعض القراطيس والكِيس. والغريب أنّ لديه قصائد قديمة جداً كتبت على قراطيس الإسمنت !! حقاً .. كانت الدواوين أروع عيدية مساء الأربعاء .. الموافق 8/10/1421هـ وقد غنمها جميع الحاضرين .. منهم: علي العوّاد الفضلي ، وعبد اللطيف بن سعد العلي الفضلي ، وحمد بن فهد المخالدة ، وعلي المضحي السبيعي ، وصالح بن عبد الله آل هاشل ، وصالح السعيّد ، ومحمد السبيعي ، وصلاح آل هندي ، وخالد الصفراء ، وعبد اللطيف الوحيمد ، وسعد بن حمد آل سليم ، وعبد الرحمن بن صالح آل مانع ، وسعد بن سالم آل عقيل ، ومحمد بن عبد الرحمن آل هاشل .. وغيرهم.وعنوان الديوان *ديوان ابن عسّاف * ، وقد طُبع طبعةً رائعة روعة أشعار العيون وظبائها وعيونها ، وعدم غموض سكانها!!غير أنّ أبا سمير / عبد الله آل يوسف (صاحب المنتجع الفكري الأدبي) اشترى رَبءطتين ، تتمثّلان في عشرين ديواناً ، ليوزّعها على المهتمّين بالشعر من زُوّار المزرعة الحسناء ! وليزوّدَ مكتبته المنزلية والبُستانية ببعض النسخ. وتلك عادة طيّبة ، لأنّ فيها تسويقاً لإنتاج الشعراء ، لا سيّما مَنء يستحقون أنء تُشترى دواوينُهم.وأثناء الجِلسة غرّدَ الشاعران "ابن عساف" ، و "ابن ثُنيّان" أروع قصائدهما القديمة والحديثة ، وتخلّلها قصائد رواها "ابن عساف" ذاكراً قصة كل قصيدة . وكان لشعر النساءِ نصيبٌ في ذلك ، إذ تعرّفنا على بعض الشواعر يرحمهّن الله . واختتم اللقاء بِقَلطة بين الشاعرين المذكورين ، وإليكم شيئاً منها .. استفتحها "ابن ثنيّان" :(ابن ثنيان) :==1== أنا يابو مفرّج لي حبـــــــيبٍ .. ماعرفت اقـــصاه==0====0==يعذّبني ، ولا ادءري يا علي ، ماهي مــــطاليبه! أنا والله أحبّه بِدء خلق الله ، ولا أنــــــــــــــساه==0====0==ما دام الرّوح تجري في الجسم .. ربّي بلاني به==2==(ابن عساف):==1== أنا والله مالومك ياسعد في صاحبٍ تــــــهواه==0====0==ولا ينلام راعي الحب، وطرده صعبء ومءصيبهترى راعي الهوى يعذر بمن هو ولّعه واشءقاه==0====0==سُهوم الغيّ خطره للمشــفّى دوم وصعيبه !!==2== وهكذا تفجّرت شلاّلات القلطة بيننا ببحرها العميق ، وقافيتَيءها المزدوجتين وهي طويلة اكتفيت بالمطلع فقط. ولِلشاعرين قلطات كثيرة بين شعراء العيون من الحضر ، وبعض شعراء الهِجر القريبة في المجالس ، وتحت الخيام ، وفي ميادين العرضات المرتجلة . وسلوا عن ذلك الباحثين العيونيين: سلمان بن سالم الجمل ، وعبد الرحمن بن عيسى الغريب ، وحمد بن حسين الغريب ، وصالح بن أحمد الحربي ، وناصر بن فضل الثنيّان .. وغيرهم.