جميل هذا العادي دائما..
رأيت الدكتور جميل الجشي في امسية بيت السني الرمضانية وكان جالسا بهدوئه الموسوم بطبيعيته اللافتة محشورا بين الضيوف يتكلم متى مابادره احد ويذهب الى هدوئه الرائق فيما بين ذلك وكأنه ينحسر الى جزيرة وحده رغم موج الماء الذي يلمس اقدامها.. وكان لي ان استرجع تاريخا مضيئا لرجل لايحمل ابهاراته معه (مثل كثيرين) ولكنه يخلص بعاديته السادرة ويترك ابهاراته باقية في اعماله التي غادرها.. اجمل مافي جميل انك تحب ان تقول عنه اشياء وانت في كامل انعتاقك من كل مغريات الدنيا.. تتآلف معه خارجا وتتآلف مع ضميرك داخلا..هذا الرجل السادر عنصر من ملحمة لم يسجلها التاريخ كما يجب كل يوم يمضي يجرنا بعيدا عن مواقف استثنائية في بناء الامم ولم يجر في علمنا بناء دولة في اي عصر مثل ماجرى لهذا البلد في انطلاقة جامحة فالتة قبل ثلاثة عقود.. لما قرر بالفعل بناء هذا البلد بالتجهيز التحتي باحجامه الخرافية وببناء اكبر منطقتين صناعيتين في مكان واحد بالدنيا.. وكان هناك رجال افذاذ في عين الزمن الفريد.. وكان هناك رجال انتفخوا وذهبوا..وكان جميل رجل بناء من الطراز الاول وكأن قدره اعده لهذه المرحلة لقد عصر كل خلية حب في قلبه لعمله ورسخ تقليدا من الانجاز ومن النزاهة ومن هذه اللعبة الادارية التي يبرع البعض فيها فيخرج بجاه ومال ويحبهاالبعض ولا يخرج منها الا مثخنا نصبا متعبا.. وجميل من البعض الاخر يخرج من اللعبة وقلبه مازال يجري في ساحتها لقد كان جميل دائما منجزا مضيئا وقدرات هادئة غير مدعية ذكية ومدثرة بجلال حكيم ويخرج هذا الرجل العادي الذي يمر من كتفك في سوق قريته ولاتكاد ترمقه مزيجا من العظمة المقتدرة ومن البساطة المقدرة خطان قدريان لا يخرج منهما جميل ولا يحيد.. خطان مرسومان بتتابع هندسي يبقيان قانونين في التحليل..قلت: له ان غازي القصيبي (هذا العراب الذي يصنع عرابته ان لم تعط في يديه) ذكرك بجمل مجيدة في كتابه المعروف.. قال: ان الدكتور غازي تحيز.. اجبته ضاحكا لماذا يتحيز؟ ليس في الدنيا من يعطيه جميل سببا للتحيز له..في د. جميل صدق د. غازي.. بل كان مشهدا من اشد مشاهده صدقا!