رئيس التحرير اثناء حواره مع رئيسة الفلبين

الرئيسة الفلبينية جلوريا ماكاباجال أرويو شخصية أثارت الإعجاب، من حيث هدوئها، وسلاسة حديثها، وقدرتها على إجبار محاورها على احترام آرائها ولو شعر المرء باختلاف مع طروحاتها، ورغم الضجة التي تواجهها في بلادها، إلا أنها استطاعت الصمود، وإثبات قدرة المرأة على التحدي ومواجهة الظروف، بل والعمل في خدمة شعبها. الرئيسة أرويو واحدة من عدة زعامات نسائية حكمت أو ما زالت تحكم خاصة في قارتنا الآسيوية، بدءا بالزعيمة الهندية أنديرا غاندي، ورئيسة وزراء سريلانكا سريمافو بندرانايكا، ومروراً بسابقتها الفلبينية كورازون أكينو، وغيرهن من النساء اللاتي تبوأن سدة الحكم في بلادهن.في زيارتها للمنطقة الشرقية، وقبيل مغادرتها المملكة في ختام زيارة رسمية، طلبت محاورة الرئيسة أرويو، وكنت أظن أن ضيق الوقت ربما سيمنعها من تلبية الطلب، لكني فوجئت بترحيب غير عادي سبقته ابتسامة آسيوية عريضة، وبدلاً من وقت محدد، تجاوزت الرئيسة كل قواعد البروتوكول وقالت إنها لن تبخل بالإجابة عن أي سؤال مهما كان، ومهما استغرق، لتضع فضولي الصحفي موضع اختبار.. ليكون هذا الحوار:@فخامة الرئيسة.. أرحب بك أولاً في المنطقة الشرقية بالمملكة.ـ أهلاً بك، وأهلاً بالإعلام السعودي الذي أثبت بمرور الأيام مصداقية عالية، وحنكة مهنية، نحتاجها كثيراً، وكنت أود أن أرحب بكم في مانيلا.. (ثم تبتسم...).إعجاب بالقيادة@ هذه أول زيارة رسمية لك للمملكة.. كيف تقيمين مباحثاتك مع خادم الحرمين الشريفين والقيادة السعودية؟ـ أولاً دعني أقول لك، إنني معجبة جداً بقيادة الملك عبد الله الحكيمة لهذا البلد، وصدقني، إنني أحسدكم على زعيم بهذا المستوى من الإخلاص والحب لشعبه، لقد لمست من خلال لقائي بجلالته، أنه يملك تطلعات كثيرة، ويتمتع بحس إنساني راقٍ يجبر كل إنسان على تقديره والإعجاب به، ويسعدني في هذا المقام الإشادة بموقفه في الحرب العالمية ضد الإرهاب ويهمني أن أعرب له عن دعمي الشخصي ودعم بلادي الفلبين الكامل في هذا المجال.إن المملكة العربية السعودية حليف قوي لنا، ولا تنس أن أكثر من مليون فلبيني يعملون هنا منذ بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، كما أنني آمل أن نترجم خطوات التعاون بين بلدينا لشراكة استراتيجية، خاصة أننا نستورد 40 بالمائة من احتياجاتنا النفطية من المملكة.أستطيع القول إن مباحثاتي مع خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد كانت مثمرة وجيدة جدا في كافة المجالات.. فالأمير سلطان رجل خير وشخصية إنسانية أيضاً لها عطاؤها وفكرها الجدير بالاحترام.إن الزيارة فرصة تاريخية لتقديم الشكر والتقدير والاحترام البالغ الذي أكنه كرئيسة للفلبين للقيادة والشعب السعودي. وفى نفس الوقت تقدير واحترام الشعب الفلبيني لهذه القيادة التي تحظى بالاحترام في المنطقة والعالم.فكر الأمير محمد@ وماذا عن مباحثاتك مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية؟ـ الأمير محمد بن فهد غمرني باستقبال حافل، إنه شخصية تستحق الاحترام، ولقد لمست من سموه حرصاً غير عادي على علاقات جيدة بين بلدينا، كما لمست منه فكراً نيراً من أجل رخاء المنطقة الشرقية التي شهدت بها نهضة عمرانية.لقد أعجبت كثيراً بما وجدته في شركة أرامكو السعودية، تلك الشركة العملاقة في كل شيء، سواء في التنظيم أو في الإدارة، أو في العمل المنهجي ككل، صدقني، إن هذه الشركة تستحق أن تتبوأ مكانا كأكبر شركة عالمية كما هي عليه الآن.الدور السعودي@ فخامة الرئيسة.. سمعنا تصريحات لك تشيد بالدور السعودي في محادثات السلام الجارية بالفلبين.. ما حقيقة ذلك؟ـ هذا صحيح.. ويهمني أن أشيد بالدعم المستمر الذي تقدمه السعودية في مفاوضات السلام بين حكومتي والمتمردين الانفصاليين الإسلاميين في الجنوب المضطرب.. ونحن كشعب فلبيني نقدر كثيرا الدعم الفعال الذي تقدمه المملكة لمبادرات السلام التي نقوم بها ومشاريع التنمية خاصة في مينداناو حيث يعيش كثير من المسلمين، والمملكة يمكنها الاضطلاع بدور إيجابي إزاء إرساء السلام والأمن باعتبارها رائدة في حلول القضايا بالمنطقة وهذا من شأنه أن يرسل رسالة للعالم مفادها أن المسلمين والمسيحيين يستطيعون العيش جنباً إلى جنب ويكرسون مبدأ التعايش السلمي والوسطية والاعتدال. لأن الإسلام هو صوت السلام والعقل والحكمة والتسامح.ولعل هذا ما يدعوني للأمل في تطور العلاقات بيننا في المستقبل وأتمنى أن تسهم زيارتي في تعزيز الروابط وتجديد الالتزامات بيننا إلى جانب إيجاد آفاق جديدة للتعاون الثنائي.عناية ورعاية@ يقال إنك استعرضت ما تسمونه أوضاع الجالية الفلبينية.. ماذا تم بهذا الخصوص؟ـ الجالية الفلبينية فخورة بالعيش والعمل والمشاركة في التنمية وهنا لابد لي من الإشادة بما تلقاه من عناية ورعاية فائقة من المملكة. والعمالة الفلبينية هنا تعتبر ثاني أكبر عمالة فلبينية بالخارج بعد الولايات المتحدة مما يجعل المملكة بلداً مهماً جداً بالنسبة إلينا، وقد حثثتهم في لقاءاتي معهم على أن يكونوا ضيوفاً مثاليين يعيشون في المملكة ويعملون بها ملتزمين بالقوانين المنصوص عليها،استكشاف وبحث@ فخامة الرئيسة أرويو.. يقال إن هناك مجالات في العلاقات السعودية الفلبينية تحتاج مزيداً من الاستكشاف والبحث، بصراحة.. ما هي من وجهة نظرك؟- هذا سؤال جيد.. العلاقات السعودية الفلبينية تعتبر علاقات قوية في الأساس ومتينة في الجذور ورغم ذلك, هناك دائماًَ إمكانية لتعزيز هذه العلاقات وتقويتها وتوسيعها. والشيء الأهم بالنسبة لنا في الفلبين أننا نرغب وبشكل جاد ومخلص في إنشاء شراكة استراتيجية موسعة ومتنوعة ومتعددة بين المملكة العربية السعودية والفلبين على ان يشمل ذلك إيجاد السلام في المناطق المسلمة في جنوب الفلبين، وهذا الهدف بالنسبة لنا يعتبر هدفا استراتيجيا عالميا وأيضا تمتين العلاقات مع الرياض، ونحن نؤكد حرصنا على ضرورة حل قضية جنوب الفلبين بشكل عاجل. وأنا أؤمن بأن المملكة العربية السعودية يمكنها أن تصبح شريكة رئيسية في مجال الطاقة للفلبين ليس فقط في مجال إنتاج وتزويدنا بالنفط ولكن في ابتكار طرق وأساليب جديدة لمساعدة دول مثلنا لتصبح دولاً مستقلة في مجال الطاقة والنفط.ضد الإرهاب@ تعلمين فخامتك، إن المملكة تخوض حربا شرسة ضد الإرهاب، وتشارك العالم في هذه الحرب.. ما موقف الفلبين من الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب بالنظر إلى حقيقة أن البلاد نفسها تمر بأوقات عصيبة في الجنوب؟ـ سياستنا هي مواجهة الإرهاب بكافة أشكاله.. الإرهابيون لا يرون الضحايا كبشر.. إنهم يقومون باختطاف وتعذيب وقتل أي شخص لبث الذعر والخوف.. بالنسبة للإرهابيين لا أحد - حتى الأطفال - بريء.وفي إطار الجهود الدولية ضد الإرهاب انضمت حكومتنا للتحالف الدولي لوضع حد للأعمال الإرهابية من خلال المشاركة في عدة منابر ضد الإرهاب.. ويهمني كما قلت أكثر من مرة إن جهودنا لمكافحة الإرهاب ليست موجهة ضد الإسلام أو إخواننا وأخواتنا المسلمات.هنالك فرق واضح بين الإسلام والإرهاب.. نحن نكن احتراماً كبيراً للإسلام كواحد من الديانات الرئيسية في الفلبين وحباً لإخواننا المسلمين.كما أن جهودنا لمكافحة الإرهاب ليست لها علاقة أو صلة بجهودنا الحثيثة من أجل تحقيق السلام مع الثوار المسلمين الشرعيين في الجنوب.. وحتى جبهة مورو للتحرير الوطني وجبهة مورو الإسلامية للتحرير أعلنتا براءتهما من جماعة أبو سياف المسلحة التي تقوم بعمليات الاختطاف من أجل الحصول على الفدية.. ونحن نسعى لتحقيق سلام مع الجبهتين رغم مشاكلنا مع أبو سياف.وأنتهز هذه الفرصة لأشيد بفكرة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب بالرياض، وهو جهد سعودي يشكر عليه الملك عبد الله والدولة السعودية.حوار حضارات@ إذا.. ومن هذا المنطق، كيف يمكن للبلدين لعب دور إيجابي لتنشيط حوار الحضارات وتكريس التعايش السلمي بين الشعوب؟ـ ليس سراً القول، إن المملكة هي ملتقى الحوار بين الشرق والغرب والرياض ومانيلا تتمتعان بمكانة استراتيجية بهدف إعطاء دفعة للسلام والتفاهم والحوار في العالم. وأعتقد أن المملكة بمكانتها وموقعها تستطيع لعب دور إيجابي بهدف تفعيل الحوار في منطقة جنوب الفلبين حيث اننا على وشك الوصول إلى اتفاقية سلام بين المسلمين والمسيحيين بعد عقود طويلة من عدم الثقة والحروب والأحقاد. ولهذا فإن المملكة العربية السعودية والفلبين يمكنهما لعب دور هام واستراتيجي في العالم حيث يمكن من خلالهما أن يلتقي الشرق بالغرب والمسلمون مع المسيحيين، وإيجاد حلول لهذه القضية بشكل سلمى وإيجابي، وهذه هي الفرصة العظيمة التي يجب الاستفادة منها، وعلينا أن نتحرك بهدف تحقيق السلام والتفاهم بين الشعوب وبين مختلف الأديان وفتح حوار الحضارات. السلام في العراق.حادث فردي@ ولكن رغم ذلك.. وعقب أحداث سبتمبر اعتقل طيار سعودي في مانيلا؟ـ صدقني، لا يجب البناء على حالة منفردة، العالم كله كان متوترا، واعتقال الطيار السعودي كان طارئا، ولم تقع حوادث مماثلة لأي مواطن سعودي بعدها.. وأود أن أطمئنكم أنه لا يوجد أي تحرك أو نية لإساءة معاملة السعوديين في الفلبين في أي وقت. نحن ملتزمون بسياستنا الخاصة باحترام حقوق وامتيازات الزوار لبلادنا في أي زمان ومكان.شائعات.. شائعات@ ننتقل قليلاً لشأن محلي.. ماذا عن الشائعات بتدبير انقلابات ضد حكومتك، ولو فرضنا عدم صحتها، ألا يعني ذلك شعور بعدم الاستقرار في رئاستك؟ـ أولاً أنت قلت إنها شائعات، ثم إنها محاولة طائشة يقوم بها مثيرو المشاكل في المسرح السياسي لزعزعة الحكومة.. والدليل على ذلك إنني قمت بعدة زيارات خارجية خلال الأسابيع القليلة الماضية بدون مشاكل.إدارتنا لن تتزعزع ولن تصبح عاجزة لمجرد شائعات.الحقيقة هي أننا نجحنا في تحسين السعة الإنتاجية لاقتصادنا وتجارتنا الدولية وكل هذا يشير إلى استقرار الأوضاع وإلى تحقيق نمو اقتصادي غير مسبوق.عطلة إسلامية@ اتخذتم قراراً مؤخراً باعتباركم عيد الفطر عطلة قومية رسمية هل يمكنكم التعليق على ذلك القرار؟ـ يشرفنا أن نعلن ذلك اليوم عطلة قومية رسمية لأن ذلك يعكس سياسة الحكومة في ميندناو تحت رئاستنا والتي تقوم على مبادئ ثلاثة، تركز على تحقيق التنمية والسلام معاً في ميندناو.. ثم تقديم جميع الحلول لقضية ميندناو في إطار السيادة القومية للبلاد ووحدتها ودستورها، إضافة الى أن هناك في دستورنا ما يوجب الاعتراف بالقيم والثقافة والتقاليد الخاصة بكل عرق ووفقاً لذلك أعلنت عيد الفطر عطلة قومية.تجربة نسائية@ يقولون، إن أداء النساء في الرئاسة أفضل من الرجال.. في مقارنة بينك وبين الرئيسة السابقة كورازون أكينو وغيركما من القادة الآخرين.. ما صحة ذلك؟ـ أنا والرئيسة أكينو جئنا للسلطة في ظروف غير عادية.. بالنسبة للرئيسة اكينو كانت مهمتها واضحة وتمثلت في استعادة الديمقراطية في الفلبين وقد فعلت ذلك واستطاعت التغلب على عدة مشاكل شكلت اختباراً للديمقراطية وهكذا فإنها تمكنت من تسليم ديمقراطية مستقرة لمن جاءوا بعدها.والآن وفي حالتي فقد جئت إلى الرئاسة في ظروف مماثلة ولقد ورثت وضعاً اقتصادياً خطيراً يؤسفني أن أقول إنه نتج عن سوء إدارة ونهب يتهم به من سبقني حالياً.. ولهذا فإن مهمتي تتركز في إعادة الاقتصاد إلى عافيته وإلى تحقيق نمو محسوس.. وكما نجحت اكينو في مهمتها آمل أن أوفق أيضاً.مثل أبي@ كيف تريدين أن يعرفك الناس بعد انتهاء فترتك الرئاسية مقارنة بمن سبقوك؟ ـ عندما توليت مقاليد السلطة في البلاد قلت لمواطنينا إنني أريد أن أخدم وأن يتذكرني الناس بعد انتهاء فترة رئاستي بأنني كنت رئيسة طيبة.. الآن أنا أكثر تصميماً أن أكون في خدمتهم بالطريقة التي كان عليها أبي الراحل والرئيس الأسبق ديوسدادو ماكاباغال والذي خدم بلادنا بكل شرف وأمانة وكانت مهمته الرئيسية هي التخفيف من معاناة الفقر في بلدنا.رسالة حب@ في ختام زيارتك للمملكة.. ما الرسالة التي جئت بها؟ وما انطباعك عنها؟ـ جئت إلى هنا احمل رسالة حب واحترام وسلام لبلد الإسلام والسلام. وهأنا أغادر اليوم وأنا أحمل أجمل الانطباعات عنكم، قيادة حكيمة ومميزة وبلداً ووطنا تفتخرون به، وشعبا طيبا.
رئيس التحرير اثناء حواره مع رئيسة الفلبين
.. ويصافح رئيسة الفلبين بعد انتهاء الحوار