عين لا ترى الأباطيل
الدكتورة هدى محمد النعيمي اديبة قطرية حاصلة على الدكتوراه في الفيزياء الحيوية الطبية من جامعة القاهرة عام 1999م عضو المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بدولة قطر. صدرت لها ثلاث مجموعات قصصية هي: المكحلة 1997م، انثى 1998م، اباطيل 2001م.كما صدر لها مؤخرا كتاب نقدي عنوانه (عين ترى) تناولت فيه الكثير من رموز الثقافة العربية في الشعر والقصة والمسرح. وكانت اولى محطاتها عند الشاعر القطري احمد بن يوسف الجابر (الذي وظف كل شعره في سبيل قطر والتغني بامجادها وطموحها وآمالها والذي اشتق ثقافته باسلوبه الخاص المعتمد على الاطلاع على عيون كتب الادب العربي رغم ندرة وجودها في ذلك الوقت) وقد وقفت بعد ذلك امام امل دنقل ونزار قباني ثم انتقلت الى مهرجان الشعر العماني حيث وقفت امام خمس قصائد من الشعر العامي حيث ننتقل بعد ذلك الى القصة القصيرة ابتداء من ليلى العثمان التي قالت عنها: انها كاتبة تؤمن برسالة الكاتب وبقيمة الكلمة الصادقة في الكشف عن الواقع وتحليله وتمزيق اقنعة الزيف فيه وتؤمن بالانسان البسيط بل والهامشي. الانسان الذي يحمل في اعماقه طاقات انسانية متفجرة آن الاوان للكشف عنها واظهار تجلياتها برفع كافة القيود التي تكبله وتشل ارادته.وبعد ليلى العثمان تقف مع بعض اعمال يوسف ادريس ونجيب محفوظ ولطيفة الزيات ومن ثم ازاحت الستار عن صورة الرجل في الادب الذي تكتبه المرأة (حنان الشيخ، اسمه درويش، نعمان البحيري) ثم وقفة مع عبدالله الغذامي وسعد الله ونوس وعبدالرحمن المناعي. وقد كانت الدكتورة هدى في كل طروحاتها ترى بعين توائم من خلالها بين الواقعي والممكن وهذا ما اشار اليه أ. د. عبدالرحمن بن زيدان: هذه الكتابات النعيمية كانت منفتحة على اجناس ادبية عربية لها حضورها المتوازن في السياق الثقافي والفني العربي، اجناس لها قوتها ولها صورتها وواقعها فيها، ولها طروحاتها وكلامها الذي يتكلم بهذه الاجناس وفق خصوصيات تتدفق صورا ومعاناة وحيوية تؤرخ بالواقعي وبالمتخيل للموجود في لغة تكتب بالحلم، وتحكى به عن انكسار الذات وهمومها وقلقها وارادتها في تجاوز المغلق للوصول الى المنفتح في هذه الكتابات.واهم ما يحدد مسارات هذه الكتابات هو توزعها على موضوع الشعر والقصة، والادب النسائي والمسرح كظواهر فنية وثقافية وفكرية عربية تنطق بتحفها البهية في رؤية القراءة التي انجزتها هدى النعيمي بشروط يحكمها الذوق احيانا ويسيرها المنهج المتكامل الذي تريد به ان تستنطق طروحات ومواضيع قراءتها).اما مجموعتها القصصية الاخيرة اباطيل فقد حاولت من خلالها معالجة بعض الاوضاع الاجتماعية والممارسات الخاطئة في حياتنا باسلوب سهل اقرب ما يكون الى الحكاية الشعبية كما في قصة (ستفعلون).جلس "ابو محمد" الى كرسيه الخشبي وتناول اول ملف من الكومة الكبيرة فوق مكتبه، تعجب من ارتفاع الملفات امامه فسأل زميله: هل هذا كله عملي؟ رد الاخر ببرود: بل عملي وعملك، ولكنك ستقوم به وحدك يا "ابا محمد". وقبل ان يرد، ادار الزميل قرص الهاتف وهو يوجه حديثه لـ "ابي محمد". سأكلم زوجتي وسأقول لها ان زميلا لنا قد توفي والده وسنذهب لاداء العزاء، ولذا سوف اتأخر عن العودة، وسأستشهد بك لتحدثها وتؤكد ما قلت. سأكذب؟ نعم، ستكذب يا أبا محمد!.. فكذب ابو محمد.خطوات المدير تلتقطها اذنا الزميل اولا، فيخطف كومة الملفات ليضعها على مكتبه ويظل ابو محمد فقير المكتب، نظرات المدير دارت ثم استقرت على الفقير، فاسقط امامه ملفا ضخما:- هذه ميزانية العام الماضي، تعيد حساباتها الليلة وتأتيني بتقرير مفصل عن مواضع التبذير فيها غدا.- ولكن سيدي، انا لم اقم بهذا العمل قبل الان لاني ضعيف في الحساب.- ستقوم به من الان يا "سيد"، وستنتهي منه الليلة، مفهوم؟!هز السيد رأسه وغاص في ارقامه.اختطف (طارق) قلم الرصاص من يد (محمد) وهو يصر على انه قلمه، فلم ينطق "محمد" وعاد يستمع الى المدرس. "يتكون العالم من خمس قارات". ما معنى قارة يا استاذ؟ احدهم تجرأ فنطق.- ستحفظون ما امليه عليكم دون اسئلة سخيفة.وعاد يكتب على السبورة اسماء القارات الخمس المكونة للعالم والقارات الخمسين التي غمرتها مياه النسيان.بعد الجغرافيا دخل ضابط المدرسة: "في الفسحة يا اولاد ستقومون بتنظيف فناء مدرستكم الجميلة لان الوزارة استغنت عن العمالة الزائدة، وانتم عماد الوطن في كل المجالات".هز بعض الاولاد رؤوسهم اعلانا لعدم الموافقة. اخرج الضابط الوسيم عصاه "ستكنسون الفناء، وستعلقون الصور على الجدران، وستغسلون المراحيض وزجاج النوافذ". هز الجميع رؤوسهم موافقة، فخرج مبتسما.وحين جاء مدرس اللغة العربية قرأ امامهم قصيدة لـ زهير بن ابي سلمى:==1==نبئت ان رسول الله أوعــدني==0====0==والعفو عند رسول الله مأمول==2==ثم طلب من اكبر الاولاد سنا واضخمهم جسدا ان يرقب زملاءه وهم يحفظون القصيدة الجديدة ريثما يقوم بتصليح دفاتر الامتحان.ان الدكتورة هدى النعيمي عندما تطل بعينها على بعض السلبيات في الادارة وفي المؤسسات التعليمية انما تدق اجراس الانذار لمن حولها للمسؤولين في الادارة العمومية وفي المؤسسات التعليمية منبهة الى ما يعشش في تلك المؤسسات وغيرها من تسيب وعدم اهتمام وتفشي القدوة السيئة في المجتمع العربي عامة.